لا خلاف على أن إبليس كان من الجن، وذلك استناداً إلى قول الله- تبارك وتعالى-: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلً) (سورة الكهف الآية: 50)، وبهذه الآية الدليل القاطع على أن إبليس من الجن، كما أنه لا يوجد آية أو أحاديث تذكر خلاف ذلك، على عكس بعض الإسرائيليات التي تذكر أن إبليس كان أجمل مخلوق حتى خلق آدم، وكان يفعل فعل الملائكة، وبأنه طاووس الجنة، فكل تلك الأقوال ليس لها أصل ديني في المصادر الإسلامية، وحتى ما يستند عليه أهل تلك القصة، فهي مصادر ضعيفة وتم تأويلها لهذا الغرض.
الخلاف في كون إبليس من الملائكة أم لا
ذكر أحد المتطلعين أه قد قرأ كتاب الحديث السنة الثالثة المتوسط، ويذكر أنه في حديث رقم 31، والذي يحمل عنوان “الشيطان يخالف بين المسلمين فاحذروه”، ويذكر أن في المعاني التي جاءت مصاحبة لشرح الحديث، فكانت تحتوي على أن معنى كلمة الشيطان تعني أنه كان من الملائكة فعاقبه الله لعصيانه وامتناعه عن السجود، وهذا ما جاء لفتح مجال لذكر السؤال، ولكن كان الجواب على السؤال محل خلاف في ما هم الجن من الأساس، فهل الجن هم جماعة من الملائكة أم هم مخلوقات مغايرة للملائكة، وسنحاول ذكر تلك الاجتهادات فيما يلي.
الرأي بأن إبليس من الملائكة
يذكر جماعة من العلماء بأنه إبليس كان من الملائكة، ولكنه بسبب ما فعل لعن وطرد.، بحيث يعرضون أن الجن من الأساس هم جماعة من الملائكة، وتم إطلاق اسم الجن عليهم، كونهم استجنوا- أي أنهم كانوا معهم ولكنهم اختفوا عنهم- فتم إطلاق اسم الجن عليهم، ولكنهم في الأساس من الملائكة.
الرأي بأن إبليس من الجن
يذكر جماعة من أهل العلم بإن إبليس من الجن، وهذا الرأي يستند إلى قول الله- تعالى-: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (سورة الكهف الآية: 50) كما يذكر بعض أهل العلم أن إبليس هو أبو الجن، كما كان سيدنا آدم- عليه السلام- أبو الإنس، ومن بين بني إبليس من الجن جماعة يطلق عليها الشياطين، وهم المردة.
بحيث يكون الجن في هذا التفسير هم الثقل الثاني الذين تحدث عنهم المولى- عز وجل- في قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات الآية: 56)، وعلى هذا فالجن غير الملائكة، فالملائكة خلقوا من النور، ولكن الجن خلقوا من النار، وذلك كما في قول الله- جل في علاه-: (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) (سورة الحجر الآية: 27)، فإبليس مختلف عن الملائكة في العنصر الذي خلق منه، ولا حتى في الحقيقة، ولكنه كان يتعبد الله- تعالى- معهم.
الرأي الأرجح لجمهور العلماء
لكن الرأي الأرجح للعلماء بأن الجن غير الملائكة، وأن إبليس كان يتعبد للمولى- عز وجل- مع الملائكة ويصلي معهم، فكان الأمر المطلق للملائكة كان عاماً على كل المخلوقات حينها في السماء، فأصابه الأمر كما كان لكل الملائكة، بحكم أنه يتعبد معهم، وليس لأنه من الملائكة، فلما فعل فعلته تم طرده ولعنه، وأصبح من ذريته الشياطين، وكما في الإنس، ففي الجن أيضاً من هو جن مؤمن ومن هو جن فاسق ومن هو جن كافل، وذلك استناداً إلى قول الله- تعالى-: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) (سورة الجن)
قد اختار هذا الرأي شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة، وذكروا بأن إبليس من الجن وهو أبو الجن، وقد خلقه الله من مارج من نار، وهو ليس من الملائكة، ولكنه اتصف بصفاتهم في العبادة في السماء، فكان يتعبد معهم حتى رفض الأمر.
لماذا أمر إبليس مع الملائكة بالسجود لآدم
ذكر مفسري القرآن الكريم والعلماء أن إبليس كان يشابه الملائكة في الأفعال الظاهرة، فهو كان يتعبد لله- تبارك وتعالى- مع الملائكة، وكان يقلد أفعالهم وعبادتهم، ولم يكن حينها يخالف أي أمر من الله، مثله مثل الملائكة في ذلك، وعندما خلق الله- تعالى- آدم – عليه السلام- أمر الملائكة بالسجود له، وشمل هذا الأمر إبليس بحكم وجوده معهم، ولكن في تلك اللحظة تملكه الكبر، وأدى به الغرور إلى أن يخالف أمر الله- تبارك وتعالى- فلعنه الله في الدنيا والآخرة.