الآيه 108 في سورة الكهف، ستجد إجابة هذا السؤال في هذا المقال في موقع موسوعة، كما سنشير إلى فضل سورة الكهف وكيف نتدبر معناها، فالقرآن الكريم ملئ بالمعاني العظيمة وهناك حكمة وغرض وسبب لنزول كل آيه من الآيات.
وعلى المسلمين أن يفهموا ويتدبروا معاني الآيات، فمن الصعب أن يشعر المسلم بالخشوع إذا لم يكن قادر على فهم معاني الآيات، فالفهم أول طريق التعلم، يليه التفسير ثم التدبر.
والتدبر يعني التفكير بمنطق وحكمة والوصول في النهاية إلى معاني جديدة للنص القرآني، فقد قال الله تعالى في سورة النساء “أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا”.
تفسير قوله تعالى لا يبغون عنها حولا
أمرنا الله عز وجل بالبحث والتعلم، وأمرنا بتدبر القرآن الكريم والبحث عن معانيه، فقد قال الله تعالى في سورة محمد “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها”، وعلى المسلم حين يقرأ القرآن الكريم أن يقوم بالبحث عن تفسير الآيات التي يكون من الصعب عليه أن يفهمها.
ومن هذه الآيات الآيه 108 من آواخر سورة الكهف، قال الله تعالى “خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلً”، ولكي نصل للتفسير الصحيح لهذه الآيه يجب أن ننظر إلى الآيه السابقة والتالية لها.
فيختلف تفسير الآيات حسب موضع الآيه بالنسبة لباقي الآيات، قال الله تعالى في سورة الكهف “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَو كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَو جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)”.
وفسر علماء المسلمين قوله تعالى “خالدين فيها لا يبغون عنها حولا” فقالوا:
خالدين فيها: تشير الآيه الكريمة إلى المسلمين الذي رزقهم الله بالجنة، وخالدين أي باقين فيها وساكنين ولا يخرجون منها أبدًا ولا يختاروا البقاء في أي مكان غيرها، فيختار أصحاب الجنة أن يخلدوا ويبقوا في الجنة إلى الأبد.
لا يبغون عنها حولا: لا يريدون أي بديل، ولا يشعرون بالملل أو بالحزن أو بالرغبة في التغيير، ولا يطلبون تحويلا عنها إلى غيرها، وفي الدنيا إذا ظل أحدهم في مكان ما لفترة طويلة يشعر بالملل والسأم ويرغب في الخروج والتغيير، ولكن في الجنة لن يشعر المسلمون بهذا الملل أبدًا، ولن يرغبوا في الخروج من الجنة رغم خلودهم السرمدي فيها.
سبب نزول الآيه
لكل آيه من الآيات القرآنية سبب للنزول، وجاء في تفسير القمي في الجزء الثاني سبب نزول الآيه 108 من سورة الكهف، حيث ذكروا أن السبب هو:
حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبداللّه بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، في قوله: (خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً)(3)،قال: ” خالدين فيها لا يخرجون منها ” و (لا يبغون عنها حولاً).
قال: ” لا يريدون بها بَدلاً “، قلت: قوله: (ان الذين أمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنت الفردوس نزلاً)، قال: ” نزلت في أبي ذر، وسلمان الفارسي، والمقداد، وعمار بن ياسر، جعل اللّه لهم جنات الفردوس نزلاً، أي مأوى ومنزلاً “.
فضل سورة الكهف
لسورة الكهف فضل كبير، ندرك هذا الفضل وهذه المكانة بعد أن نقوم بتدبر السورة والنظر إلى معانيها، وقام الشيخ ناصر العمر بنشر كتاب (تدبر سورة الكهف)، وأوضح فيه الفضل والفائدة التي تقع على المسلمين من وراء هذه السورة، ومن فوائد سورة الكهف:
سورة الكهف سُميت بهذا الإسم بسبب وجود قصة أصحاب الكهف فيها، وهي قصة تدل على قدرة الله في كل زمان ومكان وتدل على قدرته إذا أرد شئ أن يقول له كن فيكون، وفي هذه القصة العديد من العبر التي يمكن أن يستفاد منها المسلم.
هناك فرق كبير بين الكهف والغار، فالكهف تكون مساحته أكبر من الغار، ولذلك من المنطقي أن تتحمل مساحة الكهف بقاء أشخاص فيه لفترة طويلة.
قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتسمية سورة الكهف بنفسه، فقد قال في الحديث الشريف “فلْيَقْرَأْ علَيْهِ فواتِحَ سورةِ الكهْفِ”.
أكد علماء المسلمين أن السبب الرئيسي وراء نزول سورة الكهف هو الحادثة التي وقعت بين المشركين وبين اليهود، وحدث كالآتي: “بعث المشركون رجلين منهم إلى أحبار اليهود بالمدينة، يسألونهم رأيهم في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم أحبار اليهود: سلوه عن ثلاث، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وسلوه عن الروح ما هي؟ ثم جاءه جبريل عليه السلام بسورة الكهف، وفيها جوابهم عن الفتية وهم أهل الكهف، وعن الرجل الطواف وهو ذو القرنين”.
حذرت هذه السورة المسلمين من أكبر الفتن التي يمكن أن يتعرضوا لها في الحياة الدنيا، وهم الفتنة الكبرى فتنة إبليس لآدم وحواء، والفتنة في الدين وفي المال وفي الولد وفي العلم وفي السلطان، وعلى المسلمين أن يتوخوا الحذر ولا يقعوا في هذه الفتن.
تقوم سورة الكهف بإرشاد المسلمين وتعلمهم كيفية السيطرة على الفتن التي تحيط بهم في كل مكان، وكيف يعتصموا من فتنة الدجال.
تعتبر سورة الكهف وقاية ضد فتنة المسيح الدجال.
إذا تعلم المسلم هذه السورة وتدبرها جيدًا، ستكون هذه السورة كالحصن والكهف له، وسيحتمي بها من الفتن.
عند قراءة هذه السورة يشعر المسلم بالسكينة والطمأنينة في قلبه، ويشعر بالراحة والسلام الداخلي، وذلك لأن آيات هذه السورة تنير بداخل المسلم، وبعد أن يقوم المسلم بتدبرها تقوم الآيات بإرشاده إلى طريق الخير والصلاح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين”، وبسبب فضل سورة الكهف أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بقرائتها يوم الجمعة، لكي يدرك المسلم أهميتها وأهمية التدبر في معانيها.
تبدأ سورة الكهف بالحمد، مثل سورة الفاتحة، الأنعام، سبأ، فاطر، واختتمت بالتوحيد في قوله تعالى “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ”، ويدل هذا على ترسيخ مبادئ ومعاني العقيدة في هذه السورة.
أشار الله تعالى إلى نعم عديدة أنعم الله بها على المسلمين، مثل نعمة نزول القرآن الكريم، وكيف أنه المنقذ لمن يريد الصلاح والهداية في هذه الدنيا.
شرف الله عز وجل رسولنا القرآن، حين قرن ذكره بذكر نعمة القرآن الكريم، فقال الله تعالى “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ”.
حذر الله تعالى من ترك تعاليم القرآن الكريم، فمن يترك القرآن يعاقبه الله عقاب عسير، وجاء تحذير الله في قوله تعالى “لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا”.
جمعت السورة الكريمة بين الترغيب والترهيب، حتى تحقق أكبر تأثير ممكن على المسلم.
أشارت السورة إلى أثر الكلمة على النفوس، فيمكن أن يكون للكلمة دلالات وآثار بليغة، فقال الله تعالى “كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ”، وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أثر الكلمة أيضًا، فعن معاذ رضي اللّه عنه قال في حديث طويل وفيه:أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أُخْبِرُكَ برأسِ الأمْرِ وَعمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنامِهِ؟ قلت: بلى يا رسول اللّه! قال: رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ، ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ؟ قلت: بلى يا رسول اللّه! فأخذ بلسانه ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قلت: يا رسول اللّه! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟”.