تتمتع اللغة العربية بمرادفات ومصطلحات تصل إلى اثني عشر مليون كلمة، هذا العدد الكبير الذي أثرى اللغة العربية جعلها من أقوى اللغات وأكثرها صعوبة، ومن ضمن المرادفات التي ذكرت في القرآن الكريم، وقد يصعب فهمها حتى على ابن اللغة معنى كلمة يقتروا، وهذه الكلمة جاءت في موضع واحد فقط في القرآن ولكن تحمل في العموم معنى يبخل، أو يضيق تضييق الأشحاء والبخلاء، وسنعرض لكم أمثلة لاستخدام هذه الكلمة في عدة مواضع مختلفة كما يلي.
قد ذكرها ابن الرومي أحد أكبر شعراء العصر العباسي في وصف بخل أحد البخلاء قائلا:
كلمة يقتروا هي كلمة عربية من نوع الأفعال المضارعة، ولكن اتصلت بها واو الجماعة للدلالة على الفاعلين، ولكن الفعل المضارع وحده هو “يقتر” وماضيه “قتر” والأمر منه هو “اقتر” وجذر الفعل منه للكشف عليه في المعاجم العربية المختلفة هو (ق- ت- ر).
جاءت كلمة يقتروا مرة واحدة فقط في القرآن الكريم كما ذكرنا في سورة الفرقان بالتحديد في الآية السابعة والستون، في قوله- ﷻ- (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا)، وجاء في تفسير الآية الكريمة ما يلي.
تتحدث الآية الكريمة في سورة الفرقان عن صفات عباد الرحمن، ويذكر المولى- ﷻ- في الآية إحدى صفات عباد الرحمن، فعباد الرحمن ليسوا بمبذرين في إنفاقهم، فينفقوا أكثر من قدرتهم، ولا هم بخلاء أشحاء على أهليهم فيقصرون في حقهم، بل معتدلين في الإنفاق فلا مبذرين ولا بخلاء، فخير الأمور أوسطها، كما تم توضيح الاعتدال في الإنفاق في سورة الإسراء في الآية التاسعة والعشرين قي قوله- تعالى-: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا).
جاءت كما ذكرنا كلمة “يقتروا” في القرآن الكريم في سورة الفرقان في وصف عباد الرحمن، فما هي صفات عباد الرحمن الأخرى التي تم ذكرها في سورة الفرقان؟ سنذكر صفات عباد الرحمن كما وردت في سورة الفرقان فيما يلي.
أولى صفات عباد الرحمن هي التواضع فلا يمشون متكبرين، ويمشون في هدوء ووقار، إذا خاطبهم السفهاء بكلام يؤذيهم يردون برد يسلمون فيه من الإثم، كما في قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)(سورة الفرقان الآية: 63)
عباد الرحمن يظلون مستيقظين في ليلهم لأداء صلاة القيام والتهجد؛ للتقرب لله في الوقت الذي كل الناس فيه نائمون، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) (سورة الفرقان الآية 64).
عباد الرحمن كثيرو الدعوة لربهم، وأهم أدعيتهم لله أن ينجيهم الله من عذاب جهنم ويبعده عنهم، فهو أسوأ مكان للاستقرار والإقامة؛ ولأن عذابها ملازم لصاحبه، ولا يفارقه، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) (سورة الفرقان الآيات من 64 : 66).
من صفات عباد الرحمن- كما ذكرنا- الاعتدال في الإنفاق، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا) (سورة الفرقان الآية 67).
لا يرتكب عباد الرحمن الكبائر، وقد ذكر الله- ﷻ- في هذا الموقف ثلاثة من الكبائر، وهي الشرك بالله وقتل النفس بدون وجه حق، وارتكاب فاحشة الزنا، وقد وضح الله- ﷻ- عقاب من يرتكب إحدى تلك الكبائر بأنه سيضاعف عقابه وعذابه عند الله، إلا إذا تاب وعمل صالحاً، ففي هذه الحالة يبدل الله- ﷻ- سيئات التائبين حسنات، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) (سورة الفرقان الآيات 68: 70).
يميز عباد الرحمن كثرة توبتهم وعودتهم إلى الله عند ارتكابهم الإثم، كما في قوله تعالى: (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) (سورة الفرقان الآية 71).
يبتعد عباد الرحمن عن مجالس الزور، والزور هنا ليس قول الباطل فقط، وإنما مجالس المعصية والمحرمات هي مجالس زور أيضاً، فعباد الرحمن يبتعدون عن تلك المجالس، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (سورة الفرقان الآية 72).
يأخذون العظة والعبرة من آيات الله ويستجيبون لها ويتفكرون في كل معانيها وتطبيقاتها، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) (سورة الفرقان الآية 73).
يدعون ربهم دائما بصلاح الأهل والذرية، فهم شديدو الحرص على أهلهم، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (سورة الفرقان الآية 74).