من ضوابط السور المكية سؤال يطرحه الكثيرين ممن يدرسون الفقة
يتضمن القرآن الكريم العديد من السور القرآنية التي تم تصنيفها إلى سور مكية وسور مدنية، والسور المكية هي السور التي نزلت في مكة المكرمة، وتتميز بعدد من الضوابط المحددة والخصائص، واتفق العلماء والفقهاء على بعض الضوابط الخاصة بالسور المكية ومن تلك الضوابط التي يتساءل عنها دارسي الفقه:
أي سورة قرآنية تحتوي على لفظ “كلا” هي من السور المكية، وليست من السور المدنية.
تحتوي السور المكية في أولها على أي من أحرف الهجاء ماعدا سورة آل عمران وسورة البقرة فقد أجمع العلماء أنهما من السور المدنية، ويوجد خلاف حول سورة الرعد هل هي من السور المدنية أم من السور المكية.
كل السور القرآنية التي تحتوي على قصص الأنبياء وقصص الأمم السابقة اجمع العلماء على أنها من السور المكية ما عدا سورة البقرة فهي من السور المدنية.
السور التي تحتوي على قصة سيدنا آدم عليه السلام مع إبليس هي من السور المكية، باستثناء سورة البقرة فهي من السور المدنية.
السور التي ذكر فيها جميلة ” يا أيها الناس”، ولم يرد في تلك السورة جملة “يا أيها الذين آمنوا” هي من السور المكية، وذلك لأن جملة “يا أيها الذين آمنوا” ترد بكثرة في السور المدنية لا المكية.
السور التي كثر فيها الفصل مثل سورة الحجرات فهي من السور المكية حيث كثر فيها الفصل بينها وبين السور الأخرى.
كل السور القرآنية التي تحتوي على كلمة “لا” هي من السور المكية، وظهر كلمة لا في 15 سورة قرآنية وذكر 33 مرة.
السور القرآنية التي تحتوي على سجدة هي من السور القرآنية، فلا تحتوي السور المدنية على سجدة.
خصائص السور المكية
تتميز السور المكية بالعديد من السمات والخصائص التي تميزها عن السور المدنية، ويمكن التفرقة بينها وبين السور المدنية بكل سهولة بسبب تلك الخصائص ومن خصائص السور المكية:
تشمل الأيات القرآنية في السور المكية على الدعوة لله سبحانه وتعالى والإيمان به وحده لا سريك لها، والتأكيد على الرسالة النبوية الشريفة، وإثبات جزاء المؤمن من العمل الصالح والجزاء الذي سيحصل عليه العباد يوم القيامة، وذكرت الأيات القرآنية في السور المكية وصف يوم القيامة وأحداثه.
في السور المكية يتحدث الله سبحانه وتعالى عن نعيم الجنة، وعذاب النار، وجزاء المؤمنين من العباد وجزاء الكفار، وضمت الأيات العديد من الأدلة والبراهين على كلام الله سبحانه وتعالى، وعلى قدرته في خلق الكون وعظمته ففي قول الله تعالى”إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”.
تحتوي الأيات أيضًا على تعليمات الشريعة الإسلامية والخصائص الخلقية التي يجب على المسلم التحلي بها، ووصف العديد من صفات المشركين السيئة والتي تتمثل في القتل وأكل أموال اليتامى ووأد البنات، والعديد من الصفات السيئة التي تخص المشركين ففي قول الله تعالى”إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ”.
تضم الأيات العديد من قصص الأنبياء التي تحمل المواعظ والنصائح للمؤمنين، ولهداية النبي صلى الله عليه وسلم للصبر على أذى المشركين وأن جزاء الله العظيم آتي وسينصر الله الدين، كما أن تلك الأيات كانت درسًا للمنكرين لعلهم يهتدون، فمن قول الله تعالى” لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ”.
تتميز الأيات القرآنية في السور المكية بقلة الفواصل وقوة الألفاظ البليغة، وتكرار القسم في القرآن للتأكيد على كلام الله سبحانه وتعالى ولتخويف الكفار ورهبتهم، ففي قول الله تعالى “فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم” وأقسم الله بنفسه في القرآن الكريم في ثمانية مواضع، وهو من أقوي أنواع القسم.
تأكيد الرسالة النبوية وتبرير الغاية من نزول الوحي على محمد صلى لله عليه وسلم، والتأكيد في أيات القرآن الكريم أن هذا الكتاب هو الكتاب المختار الذي يجب على العباد اتباعه، وأن الرسول الأمين هو خاتم المرسلين ارسل لهداية الأمة كافة ودعوتهم لدين الحق وهدايتهم، ولن يأتي من بعد سيدنا محمد رسول أخر، فيجب نشر الرسالة النبوية والإيمان بها والتوحيد بالله سبحانه وتعالى واتباع تعليمات الشريعة الإسلامية.
تضم الأيات القرآنية في السور المكية دعوة للعباد لتفكر في خلق الله للكون وخلق كل ما يحيط بهم من مظاهر كونية مثل الشمس والقمر والسماء والنجوم، ففي قول الله تعالى “تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا”. سورة الفرقان.
يمكن أن تأتي أية مكية في سورة مدنية
يقول العلماء والفقهاء أن القرآن المكي هو ما نزل قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وإن كان لم ينزل بمكة، وأن القرآن المدني هو ما نزل بعد هجرة الرسول وإن كان نزوله بمكان غير المدينة.
كما أن الكثير من السور المكية والأيات القرآنية لم تنزل في نفس الوقت، بل نزلت في أوقات متباعدة شيئًا فشيئًا، بالإضافة إلى أن تحديد السور المكية والمدنية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتفسير وذلك من خلال ربط تفسير الأية القرآنية بالأحداث التي وقعت في مكة أو في المدينة.
واتفق كثير من العلماء أن هناك بعض السور القرآنية التي نزلت بالكامل قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعتبر السورة من السور المكية إلا بعض الأيات القليلة منها فهي من السور المدنية كالتالي:
سورة الأنعام من السور المكية، وذهب السيوطي إلى أن هناك ثلاث أيات في سورة الأنعام نزلت بالمدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي قول الله تعالى “قُُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا”.
وكان كلام السيوطي اعتمادًا على كلام أبي جعفر النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ، فأكد النحاس في كتابه أن السورة المكية لا تكاد تكون فيها آية ناسخة.
وقال بعض العلماء أنه لم يرد عن ابن عباس في كتب الحديث أنه قال إن الآيات الثلاثة في سورة الأنعام مدنية، وإنما كان قوله أن الأية القرآنية ” مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ”، هي التي في الأنعام “قُُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ” إلى نهاية الثلاث أيات.
وأضاف البهيقي رأيًا أخر في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الكبير والصغير، أن الأنعام نزلت كاملة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، ورفض أن تكون السورة مجزأة أي نزلت في مكة ونزلت منها بعض السور في المدينة.