أعلم الأمة بالحلال والحرام هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل، وهذا بشهادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال “أعلم أمتي بالحلال والحرام” فأراد الله بهذا الصحابي الجليل الخير والفقه في الدين، وآتاه الله من العلم والحكمة، فقد عرف معاذ بن جبل بالعديد من الصفات التي نادرًا اجتماعها في شخص واحد مثل رجاحة العقل، وقوة الحجة وروعة البيان، بالإضافة إلى شهادة العديد من الأشخاص على وسامته، فكان كحيل العينين براق الثنايا.
دخل معاذ بن جبل في الإسلام على يد الداعية الإسلامي الجليل مصعب بن عمير، وشهد معاذ بن جبل ليلة العقبة وهي الليلة التي قصد فيها عدد من الأشخاص وصلوا إلى سبعين شخصاً مكة المكرمة، ليعود بعدها معاذ بن جبل إلى المدينة المنورة كداعي إسلامي لهداية الناس لعبادة الله -سبحانه وتعالى- الإيمان بالرسول الأمين محمد بن عبد الله، وشبه الصحابة معاذ بن جبل في همته بإبراهيم -عليه السلام- فقالوا عنه “إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً”.
بعد أن دخل معاذ بن جبل في الإسلام لازم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه مثل ملازمة الظل لصاحبه، فكان لا يبتعد عنه أبدًا، وأخذ من الرسول -صلى الله عليه وسلم- العديد من العلوم التي تخص الدين الإسلامي، فحصل على القرآن الكريم، والشرائع الإسلامية وتعليمات وأوامر ونواهي الله عز وجل، فأصبح بعدها معاذ بن جبل أقرأ الصحابة لكتاب الله، وأعلمهم بالحلال والحرام، وقد كان هو أحد الستة الذين قاموا بجمع القرآن الكريم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
مر معاذ بن جبل بالعديد من المواقف الرائعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أشهر تلك المواقف هو اليوم الذي أخذ فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيد معاذ بن جبل، وقال له “يا معاذ والله إني لأحبك والله إني لأحبك” فرد عليه معاذ بن جبل “بأبي أنت وأمي والله إني لأحبك يا رسول الله”، وقد كان رسول الله هو أعلم الناس بشخصية معاذ الفذة ما يحمله من طاقات هائلة، وقد أثبت ذلك معاذ بن جبل بحصوله على المكانة الكبيرة بين الصحابة، فقال عنه الرسول صلى الله عليه، وسلم “إن معاذ بن جبل أمام العلماء رتوة”، وقال الرسول أيضًا “خذوا القرآن من أربعة من ابن مسعود، وأبي، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة”.
وقام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأمر معاذ بن جبل أن يبقى في مكة المكرمة بعد الفتح ليعلم الناس القرآن، ويمدهم بالفقه الإسلامي وتعاليم الدين، وتوجيهم لأوامر الله سبحانه وتعالى، وتعليمهم الحلال والحرام في الإسلام، حتى جاء أهل اليمن يعلنون إسلامهم، ويطلبون من الرسول إرسال أحد المسلمين معهم ليعلمهم أمور الدين، فاختار الرسول تلك المهمة واحد من خيرة أصحابه، وأمَّر عليهم معاذ بن جبل.
بعض مواقف معاذ بن جبل
في خلافة أبي بكر الصديق
في خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كان معاذ بن جبل يتوق نفسه للجهاد في سبيل الله، فكان يريد أن يخرج مع المسلمين في الغزوات ليحارب في سبيل الله.
فهو واحد من الذين شهدوا كل المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب لاستئذان الخليفة أبو بكر الصديق في الذهاب مع إلى فتح الشام.
ولكن استوقفه في ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأخل خروجه بالمدينة، وأهلها في الفقه، وفيما كان يفتيهم به، وتحدث مع أبي بكر أن يحبسه ويمنع خروجه لفتح الشام، وذلك لحاجة الناس إليه، ولكن رفض عليّ وقال “رجل أراد وجها، يعني الشهادة، فلا أحبسه”، فرد عليه عمر بن الخطاب أن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه.
ولكن معاذ بن جبل كان يسعى وراء الهدف الذي يريده وهو الدعوة إلى الله تعالى، ووقف في يوم أجنادين التي وقعت فيها المعركة بين المسلمين والبيزنطيين خطيب في الناس، وقال “يا معشر المسلمين اشروا أنفسكم اليوم لله فإنكم إن هزمتموهم اليوم كانت هذه البلاد دار الإسلام أبداً مع رضوان الله والثواب العظيم من الله”.
في خلافة الفاروق
عرف عمر بن الخطاب رضي الله المنزلة العلمية العالية التي يوجد فيها معاذ بن جبل، فكان يستشيره في العديد من الأمور، وقال الفاروق “لولا معاذ بن جبل لهلك عمر”.
وعلى الرغم من احتياجه الكبير له، إلا أنه قام بإرساله على رأس نفر من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الشام لتعليم الناس القرآن الكريم وتعاليم الدين الإسلامي.
وبعد وفاة أبي عبيدة -رضي الله عنه- استخلف عمر بن الخطاب معاذ بن جبل على طاعون عمواس، ولكن أصيب معاذ بنفس الوباء المنتشر، وعندما حضر الوفاة استقبل القبلة، ثم قال:
“اللهم إنك كنت تعلم أني لم أكن أحب الدنيا، وطول البقاء فيها لغرس الأشجار وجري الأنهار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر”، ومن ثم توفاه الله لتصعد روحه الطاهرة إليه”.