قبل البدء في تحديد نصاب عروض التجارة، وجب توضيح بأنه لا يتواجد أي اختلاف فيما بين النصاب وما يفترض إخراجه من زكاة المال وزكاة عروض التجارة، وهذا أجمع عليه جمهور الفقهاء المعنيين، خصوصا وأن الكثيرون يعتبرون بأن هذا يعتبر تخفيفا على الأشخاص المدخرين للمال، على عكس التجار، وهذا بناء على أنه يتم أخذ نسبة منه، في حين أن التجارة أو الاستثمار هو عبارة عن عملية زيادة في أصل المال، ولهذا فيمكنه إخراج الزكاة دون مساس أصل المال بنقصان، وذلك على عكس غير التجار، فيقوم بإخراج زكاته من أصل ماله، وكان هذا هو السبب الرئيسي لحث السُنة على التجارة بمال اليتيم، وذلك كي لا تُقضي في الزكاة، أما فيما يخص نصاب عروض الزكاة فسنتعرف عليه فيما يلي.
المقدار الواجب إخراجه في زكاة عروض التجارة
بناءً على ما أورده الفقهاء فإن مقدار الزكاة الواجب إخراجه في نصاب عروض التجارة هو رُبع العٌِشر، وهذا ما أجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة ” الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة “.
وهذا باعتبار القيمة النقدية التي قُيمت به التجارة، فلا يتواجد اختلاف فيما بين النصاب والقدر اللازم إخراجه بين الزكاة وعروض التجارة، وذلك بإجماع أهل الدين.
حساب زكاة عروض التجارة
أورد الفقهاء بأن قيمة الزكاة تساوي القيمة النقدية مجموعة على قيمة السلعة التي يتاجر فيها مجموعة علي الدوين المرجوة مطروحة من الديون علي تقع عليه مضروبة في اثنين ونصف بالمئة.
“النقد + قيمة السِّلَع + الدُّيون المرجوَّة – ما عليه من الدُّيونِ” *2.5%
أو يمكن أن تحسب على القيمة النقدية مجموعة على قيمة السلعة مجموعة علي الديون المرجوة مطروحة من أصل الديون عليه مقسومة على أربعين.
“النقد + قيمة السِّلع + الدُّيون المرجوَّة- ما عليه من الديون” ÷ 40.
والجدير بالذكر هو أن الأصل في هذه المعادلة قد عُرف من خلال السلف الصالح، فقد ذُكر عن ميمون بن مهران رحمه الله “إذا حلَّتْ عليك الزَّكاةَ؛ فانظر كلَّ مالٍ لك، ثم اطْرَحْ منه ما عليك من الدَّينِ، ثم زكِّ ما بَقِيَ ” وهذا ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في ” الأموال ” ورواه ابن أبي شيبة في ” المصنف”.
كما أنه في إحدى الروايات الأخرى قد قيل بأن “إذا حلَّتْ عليك الزَّكاةُ؛ فانظر ما كان عندك مِن نقْدٍ أو عرَضٍ للبَيعِ، فقوِّمْه قيمةَ النَّقد، وما كان من دَينٍ في مَلاءةٍ فأحسبه، ثم اطرحْ منه ما كان عليك من دَينٍ، ثم زكِّ ما بَقِيَ”.
علاوة عما قد ذكره الإمام الحسن البصري رحمة الله عليه بأن “إذا حضر الشَّهرُ الذي وَقَّتَ الرَّجُلُ أن يؤدِّيَ فيه زكاته، أدَّى عن كلِّ مالٍ له، وكلِّ ما ابتاعَ مِنَ التِّجارة، وكلِّ دَينٍ إلَّا ما كان ضِمارًا لا يرجوه”.
وقد روي عن إبراهيم النخعي -رحمه الله- بأن “يُقَوِّمُ الرَّجُلُ متاعَه إذا كان للتِّجارةِ، إذا حَلَّت فيه الزَّكاة، فيزكِّيه مع مالِه”.
وروي عن جابر بن زيد أدخله الله جناته ” قوِّمْه بنحوٍ مِن ثَمَنِه يومَ حلَّت فيه الزَّكاة، ثم أخرجْ زكاتَه “.
الخلاف في زكاة عروض التجارة
أبرز ما اختلف عليه أهل العلم هو حكم إخراج زكاة عروض التجارة من العروض ذاتها، وتواجدت العديد من الأقاويل، إلا أن أقواهما وأبرزهما هما قولان ألا وهما.
القول الأول
وهو وجوب إخراج قيمة الزكاة نقدا من قيمة العروض، ولا يمكن إخراج الزكاة من أعيان عروض التجارة، وهذا ما أجمع عليه جمهور الفقهاء من مذاهب المالكية والشافعية والحنابلة.
وذلك؛ نظرا لكون أن النصاب يقوم على القيمة، ولهذا فإن الزكاة تكون من القيمة، فكما كان بأن البقر معتبر بأعيانها، وجب الزكاة من أعيانها، ونفس الحال يسير على الأموال.
بالإضافة إلى أن القيمة هي متعلق هذه الزكاة، وبناء على هذا فلا يمكن الإخراج من عين العرض، خصوصا وأن العين في عروض التجارة ليست بالأمر الثابت، فالقيمة هي بمعتبر المخرج منه.
علاوة عن كون أن العروض ليست بشرط الوجوب، فأصبح الإخراج منها كحال الإخراج من غير النوع، زيادة عن أن أهل العلم قد فضلوا القيمة، لاسيما وأن الغير مقتدر ليس بحاجة للعين الخاصة بالسلعة، فيبيعها بسعر أقل من سعرها، خصوصا وأنه من الممكن أن تكون هذه السلعة لا يمكن أن يتم تقسيمها على أكثر من محتاج، ولهذا فإن الأسهل هو إخراج الزكاة من القيمة، وليس من العروض.
القول الثاني
وهو الذي يبيح إخراج الزكاة من أعيان العروض التجارية، وذلك للحاجة أو المصلحة، وهذا ما أورده الحنابلة فقط، وقد قاله شيخ الإسلام بن تيمية، وهذا بناء على أن الأصل في إخراج زكاة عروض التجارة هو النقد.
ونظرا لذلك، ففي حالة لو تواجدت حاجة أو مصلحة للفقير من إخراج الزكاة من أعيان عروض التجارة، أو تواجد مشكلة وصعوبة علي التاجر في إخراج قيمة الزكاة، فمن المباح الإخراج من عروض التجارة للمصلحة، فيكون قد جبر بالفقراء، وأخرج لهم من هيئة ماله.
شروط زكاة عروض التجارة
ذكر الفقهاء بأنه يتواجد العديد من الضوابط والشروط المتعلقة بإخراج زكاة عروض التجارة، فهي تتمثل في خمسة شروط، وفيما يلي سنقوم بسرد هذه الضوابط مع ذكر الشواهد عليها.
تواجد نية التجارة عند التملك
وهنا أورد الفقهاء لنا قولين في حالة نية التجارة عند التملك.
القول الأول: وهو أنه يجب في زكاة عروض التجارة أن يكون المالك قد بيّت نية التجارة حالما تملك، وهذا ما أجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة، وكان ذلك بناء على العديد من شواهد، والتي من أهمها هو الآتي ذكره.
ما روي عن الفاروق عمر بن الخطاب، فقال عن رسول الله صلى الله عليه، وسلم “الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ” فيدل الحديث على أن الأصل في الأعمال هي النية، ونظرا لكون أن التجارة تعد أحد الأعمال، فوجب دخول النية فيها.
بالإضافة إلى أن العروض نشأت للاستعمال، فلا يمكن للتجارة أن تتم إلا من خلال قصد إتمام العروض، ولهذا فتعتبر هذه هي نية التجارة.
القول الثاني : وهو ما نص على عدم وجوب في زكاة عروض التجارة أن تتواجد النية للتجارة في حال التملك، وهذا ما أقتدي به الكرابيسي لدي الشافعيين، وابن عثيمين، وهذا هو ما أفتت به اللجنة الدائمة، فقالت “أمَّا إن كنت اشتريتَها للاقتناءِ، فلا زكاةَ فيها حتى تنويَ بها التِّجارة، فيبدأ حولُ التِّجارة مِن وقتِ النيَّة”.
وكان شاهدهم على ذلك هو قول رسول الله ذاته بأن الأعمال بالنيات، ففي حالة تواجد نية له للتجارة به فتكون للتجارة، وفي حالة تواجد نية الاقتناء بها، فتكون للاقتناء.
تسقط الزكاة عن العرض التجاري في حالة ما نوى الاقتناء به، وهذا ما أجمع عليه مذاهب الفقهاء الأربعة، وهذا نظراً لكون أن النية أحد الشروط الذي يمكن اعتباره في جميعه فيجب النصاب، علاوة عن كون أن نية التجارة شرط لفرض الزكاة في العروض، ففي حالة نوي الاقتناء ضاعت نية التجارة، وهنا ينقضي شرط الوجوب.
شرط فعل التجارة لوجوب الزكاة
وهنا اختلف أهل العلم علي ثلاثة أقوال ألا وهم.
القول الأول: وهو أنه من الواجب أن يكون العرض مُلِكَ بفعله، وذلك لما يتضمنه من البيع والإجارة، وهذا هو مذهب الشافيين والمالكيين، وقد اختاره محمد بن جرير الطبري.
القول الثاني: يجب أن يملكه بفعله مع تواجد نية التجارة، ولا يجب أن يملكه بعقد فيه معاوضة، وذلك أشبه بالهبة والوصية أو الغنيمة، وهذا هو مذهب الحنابلة، وقد أيده الكمال ابن الهمام.
القول الثالث: وهو أنه ليس بالضرورة أن يكون تملكه بفعله، وإنما تجوب النية، وهذا ما اختاره الكرابيسي وابن عثيمين واللجنة الدائمة.
انقضاء الحول
في وجوب زكاة التجارة يجب أن ينته العام، وهذا ما أجمع عليه بن قدامة وابن المنذر، علاوة عن ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- فقال “عَن ابنِ عمرَ قالَ: مَن استفادَ مالًا فلا زَكاةَ فيه حتَّى يَحولَ عليهِ الحولُ عِندَ ربِّهِ “.
وقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قائلة ” لا زكاةَ في مالٍ حتى يَحولَ عليه الحوْلُ”.
ظهور مع عروض التجارة سبب آخر للزكاة
في حالة تواجد زكاة التجارة مع العين، فهنا قد اختلف أهل العلم، وأوردوا لنا قولين ألا وهم.
القول الأول: وهو أن الأصح يعود لزكاة التجارة، وهذا ما اتجه إليه الحنابلة والحنفية، وهذا نظرا لكون أن زكاة التجارة تعتبر أصلح وأفيد للمحتاجين، لاسيما وأن قيمتها تزداد بعلو القيمة ولا تنقص، زيادة عن أنها أنفع لمن يستحقها خصوصا وأن زكاة العين تختص البعض فقط.
القول الثاني: وهو ما يفيد بأن زكاة العين واجبة على السائمة أو الزرع والثمار، وهو قول الشافعيين والمالكيين، خصوصا وأن زكاة العين أقوى لاختصاصها بالعين، بينما زكاة التجارة تقوم على القيمة، كما أن زكاة العين مجمع عليها، بينما هناك اختلاف حول وجوب زكاة التجارة فلا يتم تكفير تاركها على عكس زكاة العين.
بلوغ النصاب
نصاب زكاة عروض التجارة، هي زكاة الذهب والفضة، وهذا قول أغلب الفقهاء، وهذا نظراً لكون أن زكاة الذهب والفضة لا تختلف، بل حتى أن ما يجب فيهما لا يختلف، ففي كافة الأحوال تم تحديد نصاب الفضة بمئتي درهم، أما نصاب الذهب فهو عشرون مثقالا لكل واحدة أي أن الواجب هو ربٌبع العُشر.