تأتي كلمة اليباب بمعنى الخراب أو المكان الخالي الذي لا شيء فيه، كما تطلق كلمة اليباب كصفة للحوض، وهنا تكون بمعنى الحوض الذي لا ماء فيه.
تحتوي اللغة العربية على ما يقرب من 10 ملايين كلمة ومصطلح وجذر لكلمة، الأمر الذي يجعلها اللغة الأغنى والأثرى في العالم، إضافة إلى هذا فيمكنك استخدام لفظ واحد ليفيد أكثر من معنى، ويتم الاعتماد على المعنى في هذه الحالة إلى نوع الكلمة في ذاتها، هل تؤدي معنى الفعل أم الاسم أم الصفة، مع الكلمة التي تسبقه أو تليه، أو المعنى العام للجملة، ومن بين تلك الكلمات التي تتغير معناها- ولو بشكل طفيف- باختلاف موقعها كلمة يباب، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي.
لا تظن أن استخدامنا هنا للكلمة على أنها صفة كونها صفة في المطلق، ولكن هي اسم ولها أصل وجذر وفعل، فهي من الأسماء المتصرفة عن الفعل، وليست الجامدة التي ليس لها فعل أو مصدر، وسنعرض لك أصل الكلمة فيما يلي.
ترجع كلمة يباب في الأصل إلى كونها مصدر من الفعل الرباعي يبّب، والفعل يبب في ذاته بمعني يخرب في الأصل، وهناك بعض الأقوال الأخرى التي ترجع مصدر الفعل يبّب إلى المصدر تيبيب، ولكن بشكل عام فكلمة يباب هي الأقرب كونها توحي بذات معنى الفعل يبب، وهو الخراب أو الخلو، فمثلاً كلمة يبب الجيش المدينة، وجعل عاليها سافلها، وهنا جاءت بمعنى التخريب الشديد.
لما تحمله كلمة يباب من وقع وأثر على النفس، وكونها تحمل معنى الخراب، والأمر الذي يجعل من استخدامها في الشعر العربي على مختلف العصور متواجداً، وبشكل كبير، ومن بين تلك الاستخدامات ما يلي.
استخدم شاعر الرسول- صلى الله عليه وسلم- حسان بن ثابت الكلمة في معناها الرئيسي، ولكنها كانت تحمل معنى الحطة من الشأن، فاستخدمها في مقدمة قصيدته والتي كانت كما يلي.
هَل رَسمُ دارِسَةِ المَقامِ يَبابِ مُتَكَلِّمٌ لِمُسائِلٍ بِجَوابِ
كما استخدمها أمير الشعراء أحمد شوقي أيضاً في صدر قصيدته، واستخدمها بمعنى الخراب، وبالمعنى الذي يدل على مدى الخراب الذي حل على القيم والرموز الدينية، في فترة الاستعمار بريطانيا لمصر، وكان استخدام كلمة بياب بالشكل التالي.
ضَرَبوا القِبابَ عَلى اليَبابِ وَثَوَوا إِلى يَومِ الحِسابِ
حتى العصر الأندلسي الذي تميز بالجمال ووصف الجمال في كل البيئة المحيطة، والمليئ بالبهجة والألوان البيانية والبديعية أيضاً تم استخدام تلك الكلمة، ولكن تم الاستخدام لها للتعبير عن حالة الفقراء، وفي أبيات بمعنى النصح، ومساعدة هؤلاء الفقراء، وكانت تلك الكلمات على لسان الشاعر الأندلسي ابن قلاقس، وكانت الأبيات كما يلي.
قِفْ بقَفْراءَ يبابِ بأبابات إيابِ
ذكرنا فيما سبق أن كلمة يباب بمعنى خراب، أما التعبير عن العمر باليباب، فهذا المصطلح كان يستخدم سابقاً بين العرب للدليل على حجم الشدائد والصعوبات التي يمر بها صاحب هذه الجملة، وأنه سيلقى حتفه في اقرب وقت، وبالأحرى تقال في الحروب، أو عند الإصابة بأذى لا علاج له، وسيودي إلى الموت القريب، لذلك يتم استخدام هذه الجملة، فباختصار يباب العمر تعني اقتراب نهايته المحتومة.
بعد أن ذكرنا للكلمة فيما سبق أن له جذر ومصدر، فهي من الأسماء العربية بلا شك، كونه يرجع غلى الفعل يبّ[، وإلى الجذر “يـ ب ب”، وهو جذر عربي أصيل موجود في المعجم الوسيط، ونذكر ذلك لأن بعض العلماء واللغويين المعاصرين يعتقدون أن الكلمة هي من أصل فارسي، وليست عربية، وقد دخلت اللغة العربية بسبب الانفتاح العربي الفارسي، والمخالطة ما بين لغة فارس واللغة العربية، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ تماماً.