جاء ذكر كلمتي المسبل والمنان في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وكانتا صفتين لصفات الناس الذي لن يكلمهم الله يوم القيام، وجاءت معاني هاتين الكلمتين كالآتي.
ينتشر استخدام حديث مطلعه ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولما به من نذير عظيم، فقد حاول الكثيرون البحث عنه والوصول إليه، وهل هذا الحديث صحيح، أم أنه من الأحاديث الضعيفة، أو المنسوبة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ في الحقيقة هذا الحديث صحيح، وقد ذكره أحد أشهر رواة الحديث وهو أبو ذر الغفاري- رضي الله عنه- قال: “قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ: المَنَّانُ الذي لا يُعْطِي شيئًا إلَّا مَنَّهُ، والْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الفاجِرِ، والْمُسْبِلُ إزارَهُ. وفي رواية: ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ولا يَنْظُرُ إليهِم ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ)” (حديث صحيح).
كان رسول الله- ﷺ- كثيراً ما يعمل على تحذير أصحابه- رضي الله عنهم- من سيئ الأخلاق، ومن قبيح الأعمال، فقد كان- ﷺ- حريص على كل ما يقرب صحابته من الجنة في الآخرة، وفي هذا الحديث يخبر فيه رسول الله- ﷺ- عن 3 أنواع من الناس لا يكمهم الله يوم القيامة، والمقصود بالكلام هنا الكلام الذي يسرهم، وأن يستهين المولى- عز وجل- بهم، ويغضب عليهم، وكل هذا عقوبة لهم على ما قدموا من جرم في الدنيا، فكان هؤلاء المجرمين هم من يحملون إحدى الصفات الثلاث، المنان أو المسبل أو المنفق سلعته بالحلف الفاجر، وتوضيح صفات الثلاثة كما يلي.
قد جمع رسول الله- ﷺ- بين الثلاثة، كونهم يتفقون ثلاثتهم في إثم واحد، وهو التكبر، وأذى المسلم، بالإضافة إلى إيثار النفس واحتقار الغير، وذكر هؤلاء الثلاثة لا يمنع وجود آخرين يستحقون لهذا العقاب، ولكن يوجد الكثيرون غيرهم، كالشيخ الزاني والعائل المستكبر والملك الكذاب، وذلك في حديث آخر لرسول الله- ﷺ-.
تأتي كلمة المسبل في أصل اللغة العربية من الفعل سبَّل، وهذا الفعل يعني أطال، فالمسبل في اللغة هو المطيل، وتوجد على ذلك العديد من الأمثلة، والتي من ها ما يلي.
كما قد يستخدم الفعل سبَّل للدلالة على الإرخاء، وهي المخصوصة أكثر بالملابس، فاستخدم العرب قديماً كلمة سبَّل ملابسه أي أطالها وأرخاها حتى صار يجرها خلفه، وذلك في مدلول العرب دليل على الخيلاء والتكبر، وأن صاحب هذا الفعل يتفاخر بما يمتلك من رداء طويل يجره خلفه، وتم استخدام هذه الكلمة في أكثر من مقام، ومنها كما يلي.
ذكرت كلمة “مسبل” بلفظها في الشعر العربي في كثير من الأغراض، فمنهم من استخدمها في الدلالة على الغزل، ومنهم من استخدمها في الوعظ والحكمة، ومنهم ما استخدمها دلالة على الحزن، والكثير من الأغراض الأخرى، ومن بين تلك الاستخدامات ما يلي.
تأتي كلمة المنَّان كصيغة مبالغة للفعل منَّ، هو بمعنى الفضل والهبة، والمنان في رأي كل العرب هو صاحب الفضل، والذي يكثر من ذكر ما يمن به على غيره، كما أنه أسم من أسماء الله الحسنى، وقد ورد في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي رواه أنس بن مالك- رصي الله عنه-قال: (كنتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالِسًا في الحلْقةِ، ورجُلٌ قائمٌ يُصَلِّي، فلمَّا ركَعَ وسجَدَ فتشَهَّدَ، ثمَّ قال في دُعائِه: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك بأنَّ لك الحمدَ، لا إلهَ إلَّا أنت المَنَّانُ، يا بديعَ السمواتِ والأرضِ، يا ذا الجَلالِ والإكرامِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ، إنِّي أَسألُك، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أتَدْرونَ بما دَعا اللهَ؟ قال: فقالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: والذي نفْسي بيَدِه، لقد دَعا اللهَ باسمِه الأعظَمِ، الذي إذا دُعيَ به أجابَ، وإذا سُئل به أَعْطى) (حديث صحيح).
كما ذكرنا سابقاً فكلمة المنان هي اسم من أسماء الله الحسنى، فكان الشعراء يستخدمونها على هذا الأصل في كثير من قصائدهم وأشعارهم، وفي الأغلب للدلالة على الحاجة من الله- عز وجل- والسؤال منه، ومن استخداماتها ما ذكره الشاعر ابن الصباغ الجذامي- وهو أحد شعراء العصر المملوكي- في مطلع قصيدته الذي ذكر فيها لفظ المنان- قاصداً المولى- عز وجل- قائلاً فيها ما يلي.
سبحان ربى الواحد المنان والحمد للَه العظيم الثان