في بداية الحديث، وقبل البدء في سرد الدلائل الشواهد علي فرضية الحجاب وثبوت وجوبه، فقد وجب التوضيح بأن حكم الحجاب في ذاته لا جدال فيه ولا مجال للنقاش، فهو ثابت بنص كتاب الله القرآن الكريم، وبالنصوص القطعية والثابتة عن رسول الله صل الله عليه وسلم، وهذا هو ما أكد عليه مركز الأزهر الشريف العالمي للفتوي الإليكترونية، وأن أي أفكار أو فتاوي من ضعف الإيمان أو الجاهلين تشير إلى أن الحجاب ليس بفريضة أو واجب علي كل مسلمة، فما هي إلا محض تُرهات وادعاءات كاذبة لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية.
قال الله تعالي في سورة الأحزاب في الآية رقم تسعة وخمسين ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا “.
وهنا قد أمر الله تعالي رسوله الكريم أن يأمر نساءه وبناته ونساء المؤمنين أجمعين بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، وذلك كي يستروا أنفسهم ويتميزوا عن صفات نساء الجاهلية والإماء، والجلباب هو ما يتم لباسه فوق الخمار، وهذا ما قاله ابن مسعود وعبيدة وقتادة والحسن البصري وغيرهم، والجلباب هو ما يشابه الإزار اليوم.
وأما بالنسبة للجزء الخاص بقوله تعالي ذلك أدني أن يعرفن، فقد أورد بن كثير في تفسيره، بأن المغزي هو أنه يعرف بأن هؤلاء النساء حرائر، فهمن ليسوا بإماء أو عواهر، حيث أنه قد قيل بأن الكثير من الناس الفاسقة من أهل المدينة يخرجون بالليل كي يختلطوا بظلمة الليل ويتعرضن للناس، خصوصا وأن المساكن لأهل المدينة كانت ضيقة، فكانت النساء تخرد ليلا لقضاء حاجتهن، فإذا ما وجدوا امرأة عليها جلباب، قالوا هذه حرة كفوا عنها.
علاوة عن قول الله عز وجل في سورة النور في الآية رقم ستين ” وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “.
يقول الطبري في تفسيره بأن من قعدن عن الولد من الكبر من النساء، فلا يأتيهن المحيض ولا يلدن، ومن قد طغي عليهن اليأس في رجالهن ولا يردون الزواج، فلا حرج عليهن أن يضعن ثيابهن كاملة أي جلابيبهن سواء كان أمام محارمها أو الأجانب عنها.
آية الحجاب في سورة النور
يقول الله تعالي في كتابه الكريم في سورة النور، وتحديدا في الآية رقم واحد وثلاثون حول حفظ الفروج “وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ“.
فيقول محمد بن جرير الطبري رحمه الله وأرضاه، بأن الله عز وجل قد حث حبيبنا المصطفي صلوات ربي وسلامه عليه بأن يقول للمؤمنات من أمته بأن يغضضن أبصارهن عن كل ما حرم الله ويكرهه، مما نهي الله عن النظر إليه.
علاوة عن أمر الله لنساء المؤمنين بأن يحفظن فروجهن ولا يبدينهن إلا أمام من يحل لهم أن يروها، وذلك من خلال لبسهن لما يسترها عن أبصار الغرباء والأجانب، كما أنه يأمرهن بألا يظهرن زينتهن لكل من كانوا ليسوا بمحارم للنساء، وهذه الزينة تتمثل في ما خفي من لبس النساء كالخلخال والسوار والحلق والقلائد، والأخرى هي زينة الثياب الظاهرة.
وهذا هو ما رواه لنا ابن حميد فقد قال “ثنا هارون بن المغيرة، عن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، قال: الزينة زينتان: فالظاهرة منها الثياب، وما خفي: الخَلْخَالان والقرطان والسواران“.
ومن ثم قد قال الله بأن تضرب النساء عليهن بخمرهن علي جيوبهن، أي أنهم مفروض عليهم أن يقوموا بستر شعرهن ورقابهن وقرطهن بخمرهن، وقد روي بأن ابن وهب قد خَبر عن أم المؤمنين عائشة بأنها قالت ” يرحم الله النساء المهاجرات الأوَل، هذه الآية، شققن أكثف مروطهنّ، فاختمرن به.
هل الحجاب فرض وما الدليل
كنا قد أجبنا عن هذا السؤال سلفا، ولكن من قول الله عز وحل فقط ومن كتابه العزيز، وبناءا علي هذا ففيما يلي ذكره سنقوم بالتأكيد علي أن الحجاب فريضة واجبة بنص كتاب الله ورسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، وفيما يلي سنقوم بسرد الشواهد من الأحاديث.
قد روت أم المؤمنين عائشة قائلة ” أنَّ أزْوَاجَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُنَّ يَخْرُجْنَ باللَّيْلِ إذَا تَبَرَّزْنَ إلى المَنَاصِعِ وهو صَعِيدٌ أفْيَحُ فَكانَ عُمَرُ يقولُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بنْتُ زَمْعَةَ، زَوْجُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً، وكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: ألَا قدْ عَرَفْنَاكِ يا سَوْدَةُ، حِرْصًا علَى أنْ يَنْزِلَ الحِجَابُ، فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الحِجَابِ “.
بالإضافة إلى حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فقد قالت ” كُنَّ نِسَاءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ، لا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ “.
الحجاب في الإسلام
بعدما قد تأكدنا وبالأدلة بأن الحجاب هو أحد فروض الإسلام التي لا غني عنها بالنسبة للمرأة، ففيما يلي ذكره سنتعرف سويا علي منظور الحجاب في الإسلام، إلا أن هذا أيضا سيكون بالدلائل والبراهين، ومن ثم سنتعرف علي ضوابط وشروط حجاب المرأة.
في المقام الأول يأتي الجلباب، فقد قال الله تعالي في سورة الأحزاب في الآية رقم 59 ” يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ” والجلباب هو الثوب الذي يستر جميع أجزاء الجسد.
وقد روت أم عطية نسيبة بنت كعب رضي الله عنها وأرضاها عن رسول الله صل الله عليه وسلم قائلة ” أُمِرْنا أن نُخرِجَ الحُيَّضَ يومَ العيدَينِ، وذواتِ الخُدورِ، فيَشهَدْنَ جماعةَ المُسلِمينَ ودَعْوتَهم، ويَعتَزِلُ الحُيَّضُ عن مُصَلَّاهنَّ. قالت امرأةٌ: يا رسولَ اللهِ، إحدانا ليس لها جِلبابٌ! قال: لِتُلبِسْها صاحِبتُها مِن جِلبابِها “.
في المقام الثاني يأتي النقاب، يقول ابن عمر رضي الله عنه وارضاه عن رسول الله صل الله عليه وسلم عن لبس الإحرام، حينما انتهي من منكرات لبس الرجال فقال عن المرأة المسلمة ” لا تَنتَقِبِ المرأةُ المُحْرِمةُ، ولا تلْبَسِ القُفَّازَينِ “.
ومن ثم يأتي البرقع، فتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ” تلبَسُ المُحرِمةُ ما شاءت، إلَّا البُرقُعَ والمتَورِّدَ بالعُصفُرِ “.
شروط وضوابط حجاب المرأة
تتواجد بعض الضوابط والشروط الواجب توافرها في الحجاب الذي ترتديه المرأة المسلمة، وألا ينقص من أحد هذه الشروط.، وهي الآتي ذكرها.
من أهم وأبرز شروط حجاب المرأة، أن يكون ساترا لجميع أجزاء جسدها، علاوة عن كون أنه يجب ألا يكون شفافا أو يصف ما تحته من الجسد.
بالإضافة إلى أنه يجب ألا يكون ضيقا، أي أنه لا يصف حجم أعضاء الجسد الساتر له.
علاوة عن كون أن الحجاب يجب ألا يكون زينة في ذاته، وألا يكون معطرا أو مبخرا.