تُعد قصة ذبح سيدنا إبراهيم لابنه سيدنا إسماعيل عليهما السلام، من أبرز القصص المذكورة في القرآن الكريم والتاريخ الإسلامي، ولتلك القصة الكثير من العبر والدروس التي لا يزال يستفيد منها المسلمون حتى وقتنا هذا.
لم يكتب الله تعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام الأولاد حتى بلغ الثمانين من عمره، فتزوج من السيدة هاجر لعل الله يرزقه منها بأطفال، وبالفعل رزقه الله منها بولده إسماعيل.
أحب سيدنا إبراهيم ابنه سيدنا إسماعيل بشدة، فأراد الله عز وجل أن يختبر الأب في أعز ما لديه.
ذات يوم، رأى سيدنا إبراهيم عليه في منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل، فتيقن أن تلك الرؤية هي رسالة من الله، لأن الرؤى التي يراها الأنبياء هي حق ووحي من الخالق عز وجل.
فقد جاء في قول الله تعالى في سورة الصافات: “فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ”.
قص سيدنا إبراهيم على سيدنا إسماعيل رؤيته، فوجد ابنه بكل حب يستجيب لما أمره الله به، وهو راضيًا وصابرًا ومحتسبًا.
فقد جاء في قول الله تعالى في سورة الصافات: “يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ”.
قرر سيدنا إبراهيم عليه السلام تنفيذ أمر الله عز وجل، بعدما فوض وابنه أمرهما إليه، فاصطحب ابنه إلى مكان بعيد، وقام إسماعيل بخلع قميصه ليكون كفنه بعد وفاته، وجعل إبراهيم ابنه إسماعيل ينام على وجهه حتى لا ينظر إليه فيشفق عليه، ووضع عند حلقه صفيحة نحاسية ليستخدمها في ذبحه.
هيأ إبراهيم ابنه إسماعيل للذبح، واستعد وقال بسم الله والله أكبر، وفي هذه اللحظة ناداه الله عز وجل، كما جاء في سورة الصافات: “أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ”.
فأرسل الله تعالى كبش عظيم أبيض أقرن، فذبحه سيدنا إبراهيم عليه السلام بدلًا من ابنه إسماعيل، وهو ما جاء في قوله تعالى في سورة الصافات: “وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ”.
وقد اتخذ المسلمون هذا اليوم عيدًا لهم، يذبحون فيه الأضحية تقربًا إلى الله عز وجل.
الحكمة من الأمر بذبح إسماعيل
لم يأت ابتلاء ذبح سيدنا إبراهيم ابنه إسماعيل عليه السلام عبثًا، فهناك أكثر من حكمة من أمر الله لنبيه بهذا الفعل وهي:
تحقيق معنى العبودية
فقد رزق الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم ابنه إسماعيل بعد أن دعاه أن يرزقه غلامًا.
وعندما حدث ذلك، تعلق قلب سيدنا إبراهيم بابنه بشدة، ولذلك اختبره الله وأمره بذبح أعز إنسان لديه، فاستجاب إبراهيم عليه السلام لأمر ربه، دون أن يكون في قلبه غضاضة.
وعندما هم بذبح ابنه، تأكد أن حب الله في قلبه وعبوديته له، يفوق حبه لابنه إسماعيل، فأنزل الله الذبيح ليكون فداء لإسماعيل، لأنه لم يكن هناك غاية من الذبح بعد ذلك.
السرعة في تنفيذ ما أمر به الله
بمجرد أن رأى إبراهيم عليه السلام في منامه أنه يذبح ابنه، فهم أن ما رآه لم يكن سوى أمر من الله عز وجل بتنفيذ ما جاء في الرؤية.
ولذلك ذهب إلى ابنه دون تردد، وأخبره بما رآه، فكان ذلك بمثابة الاختبار للأب وابنه، وانقاد إبراهيم عليه السلام لتنفيذ أمر ربه بسرعة.
كما أن سيدنا إسماعيل عليه السلام استجاب لأمر ربه، فلم يكن في قلبه تجاه هذا البلاء العظيم سوى الصبر، وساعد والده على تنفيذ ما أمره الله به.
تبدل الغيرة في قلب سارة إلى حب
كانت السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام، تشعر بالغيرة الشديدة من السيدة هاجر، وازدادت تلك الغيرة بعد إنجاب هاجر لابنها إسماعيل عليه السلام.
فأراد الله تعالى أن تخف تلك الغيرة من قلب السيدة سارة، ولذلك وكان أمر إبراهيم بأن يأخذ هاجر وابنها ليسكنوا في مكة.
وعندما أمر الله تعالى سيدنا إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل، كان حتى يرق قلب سارة تجاه هاجر وابنها، فأصبحت الغيرة الشديدة حب ورحمة.
كرّم الله تعالى السيدة هاجر وجبر بقلبها، عندما جعل المكان الذي مشيت فيه وابنها وما تركوه فيه من آثار من أماكن العبادة التي يأتيها المسلمون من كل حدب وصوب، فكانت تلك النهاية السعيدة لابتعادها ووحدتها واستسلامها لأمر الله عز وجل.
الدروس المستفادة من قصة ذبح إسماعيل
من الدروس المستفادة من قصة ذبح سيدنا إسماعيل عليه السلام ما يلي:
سؤال الله عز وجل والتوجه إليه بالدعاء في كل أمور الحياة.
التوجه إلى الله بالدعاء بالذرية الصالحة، فهي من أعظم النعم التي يمّن بها الله سبحانه وتعالى على عباده.
استشارة الأبناء والتحاور معهم خاصة في الأمور التي تتعلق بهم، وعدم فرض رأي أو أمر عليهم.
