الصداقة هي واحدة من العلاقات الاجتماعية المهمة في الحياة تكون ما بين فردين أو أكثر، وترتكز تلك الصداقة على المحبة والمودة بين الصديقين، يحتاج كل شخص في الحياة إلى الصحبة الصالحة التي تهتدي به إلى طريق الحق والبعد عن الضلال والسير في الحياة باستقامة لينالوا رضا الله ومحبته.
تعتمد الصداقة الحقيقة على الأخلاق الحسنة، ليتنافس الأصدقاء معًا في الارتقاء بالأخلاق الكريمة والتقوى، وقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.
ويهتم الإسلام بالصداقة المليئة بحب الله وطاعته، وتظهر فائدة وأهمية الصداقة في عدد من الأمور مثل:
تناصح الأصدقاء
يتبادل الأصدقاء النصائح الإيجابية والتشجيع على طاعة الله سبحانه وتعالى، كما أن الحب في الله من أفضل أنواع الصداقات التي يحبها الله -سبحانه وتعالى- وحث عليها الإسلام أن تكون المحبة خالصة لله بعيدة عن أي مصالح دنيوية، فقط تعتمد على الصلاح والتقوى وطاعة الله وحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أفضَلُ الأعمالِ الحُبُّ في اللهِ، والبُغْضُ في اللهِ”.
إن الصديق الصالح له تأثير كبير وواضح على صديقه، يقبل منه النصائح والتوجيهات، على عكس الغرباء قد لا يقبل من أي شخص تلك النصيحة، ومن أمثلة الصداقة الصالحة القوية التي كانت بين أبو الدرداء رضيَ الله عنه، وبين الصحابي الجليل عبد الله بن أبي رواحة رضيَ الله عنه، حيث كانت تجمعهم صداقةٌ قديمةٌ وقوية منذ أيام الجاهليّة، فلما أسلم عبد الله بن رواحة ذهب إلى صديقه أبي الدرداء وكان لم يسلم بعد، فلما وجد عبد الله بن رواحة عند صديقه أصنام قام بتحطيمها ليثبت له أنها مجرد جماد لا تقدر على النفع أو الضر، وقابله أبو الدرداء بصدر رحب وأسلم بعدها.
كما حث الإسلام والشريعة الإسلامية على التصاحب والتآخي في الإسلام على حب الله وطاعته، والنصح بالخير والإعانة على التقوى وطلب العون من الأصدقاء، وممن يحب ويثق به، فقد جعل الله الأصدقاء أمناً وأماناً لأصدقائهم، حتى يبعده عن الوقوع في المعاصي والزلات، وتقبل النصائح الصالحة من الأصدقاء على طاعة الله.
الإعانة على فعل الطاعات
حث الإسلام على التناصح والتواصي بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الإعانة فيما بينهم على طاعة الله -سبحانه وتعالى- وعلى فعل الخيرات والابتعاد عن الوقوع في المعاصي وفعل المنكرات.
وقد أقسم الله -سبحانه وتعالى- أن كل بني آدم من الخاسرين إلا من آمن منهم بالله -سبحانه وتعالى- وعمل صالحًا، وحقق كل شروط الإيمان بالعمل الصالح والطاعة، وفي قول الله تعالى في سورة العصر “وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ”.
فكل من صبر واحتسب ذلك الصبر عند الله، وآمن بالله وأعان صديقه على طاعة الله فاز فوزًا عظيمًا هو وصديقه.
تأثير الصديق على أخلاق وسلوكيات صديقه
للصديق تأثير كبير على صديقه، حيث يتحلى كل شخص بأخلاق صديقه، فمن كان صديقه صالح كان هو صالح ويسير في طريق حب الله وطاعته، ومن كان صديقه فاسداً تشبه بأخلاق صديقه، وسار في طريق يبتعد فيه عن الله وعن طاعته.
لذلك حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- باختيار الأصدقاء ذوي الأخلاق الحسنة للتشبه بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف”الرَّجلُ على دِينِ خليلِه، فلْينظُرْ أحدُكم مَن يُخالِلْ.
كما شبه الرسول الكريم الصديق ببائع المسك الذي لصداقته منافع ومحبة كبيرة لا يضر أبدًا، على عكس صديق السوء فإن صحبته ما هي إلا ضرر وتأثر بالسوء فقط، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحاً طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً”.
فضل الأخوة في الله
ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في العديد من الأحاديث الشريفة فائدة الصداقة والأخوة والمحبة في الله، والفائدة الكبيرة التي تعود على الإنسان في الدنيا والآخرة نتيجة الصداقة الصالحة القائمة على طاعة الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له علَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ؛ بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ”.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن فضل المحبة في الله “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: رَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه”.
وقال أيضًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتأكيد فضل المحبة في الله وفائدتها الكبيرة التي تعود على الإنسان يوم القيامة “ليبعثَنَّ اللهُ أقوامًا يومَ القيامةِ في وُجوهِهِمُ النُّورُ، علَى منابرِ اللُّؤلؤِ، يغبِطُهُمُ النَّاسُ، لَيسوا بأنبياءَ ولا شهداء، قال: فَجثَا أعرابيٌّ على رُكبتَيْهِ؛ فقالَ: يا رسولَ اللهِ! جَلِّهِم لنا نَعرِفْهمْ، قال: همُ المتحابُّونَ في اللهِ، مِن قبائلَ شتَّى، وبلادٍ شتَّى، يجتَمِعونَ على ذِكرِ اللهِ يَذكرونَه”.
صفات الصَّديق الجيد
لكل شخص في الحياة صفات ومعايير مختلفة عن الشخص الأخر، ولكن تشترك الأصدقاء الصالحة في صفات عامة يتميزوا بها، ومن خلالها يمكن معرفة الصديق الجيد والصالح، ومن تلك الصفات:
أن يكون الصديق على خلق حسن ودين، يمتلك سمعة طيبة بين الناس، فيحبه الجميع ويحترمه، وهذا يدل على أخلاقه ومحبته لله ومحبة الله له.
على الصديق الصالح أن يتصف بالتفكير السليم والعقل الفصيح والحكمة والطباع الحسنة السوية، ليكون لك رفيق إلى الجنة، وللإعانة في الدنيا على طاعة الله والابتعاد عن المعاصي، والإرشاد إلى الخير والفلاح.
الصديق الصالح هو الذي يعينك على طاعة الله، ويذكرك بذكر الله في الوقت التي تغفل فيه عن ذكره، عدم ترك الصلاة أو إضاعة وقت الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا”.
من صفات الصديق الصالح أنه لا يطلب عثرات إخوانه ولا يتتبعهم، وإنما يطلب ما يقيلهم، كما قال ابن مازن “المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم”.
الصديق الصالح هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ أَيُّ المسلمينَ أَفْضَلُ؟ قال: “مَنْ سَلِمَ المسلمونُ من لِسانِهِ وَيَدِهِ”.
ومن الصفات الحسنة للصديق الصالح الحمد بحسن الثناء عليهم، وحتى إن لم تكن المساعدة كبيرة، أو باليد، وقد روى أحمد وأبو داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ : قَالَتْ الْمُهَاجِرُونَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ بَذْلًا مِنْ كَثِيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ ، قَدْ كَفَوْنَا الْمَئُونَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ ، فَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كَلَّا ؛ مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ بِهِ ، وَدَعَوْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ” صححه الألباني في “صحيح أبي داود” .