من الواجب توضيحه قبل البدء في سرد حكم لبس الملابس الداخلية تحت ملابس الإحرام، هو أن الفقهاء قد اختلفوا في حكم الملابس الداخلية تحت ملابس الإحرام، وهذه الملابس الداخلية تعرف باسم ” التُّبَّان “، فقد أتجه البعض إلى إباحته والبعض الأخر قد أتجهوا إلى تحريمه.
اعتمد الفقهاء الذين أباحوا ارتداء التُبان أو الملابس الداخلية تحت ملابس الإحرام، علي أنه لم يرد أي نص صريح يقوم علي منع ارتداء الملابس الداخلية تحت ملابس الإحرام.
بينما قد ذهب جمهور الفقهاء وأغلبهم إلى أن ملابس الإحرام لا يجوز لبس ملابس داخلية تحتها، وقد شبهوا هذه الملابس بالسراويل، حتي أن الكثير من الفقهاء قد ذهبوا إلى أن الأولي هو منع ارتداء الملابس الداخلية.
خصوصا وأن شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالي قد قال بأن ” وكذلك التبان أبلغ من السراويل “، بالإضافة إلى أن ابن القيم رحمة الله عليه قد روي عن المزني رحمة الله عليه قائلا ” الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا وهلم جرّاً استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم ” فقد قال ” وأجمعوا بأن نظير الحق حق ، ونظير الباطل باطل ، فلا يجوز لأحد إنكار القياس ، لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها “.
والجدير بالذكر هو أن كل هذا النهي لم يكن وفقا لأهواء هؤلاء الفقهاء فقط، وإنما بناءا علي نهي رسول الله صل الله عليه وسلم، والذي أوضح بأن النهي قد طال العمائم والسراويل والبرانس والخفاف.
وهذا بناءا علي حديث رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، وهذا ما رواه عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه فقد قال ” أنَّ رجلاً سألَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم ما يلبَسُ المحرمُ منَ الثِّيابِ ؟ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم : لاَ تلبَسوا القُمُصَ ولاَ العمائمَ ولاَ السَّراويلاتِ ولاَ البرانِسَ ولاَ الخفافَ إلاَّ أحدًا لاَ يجدُ نعلينِ فليَلبسْ خُفَّينِ وليقطعْهُما أسفلَ منَ الْكعبينِ ولاَ تلبَسوا شيئًا مسَّهُ الزَّعفرانُ ولاَ الورْسُ “.
وهذا هو ما جعل الإمام بن عبد البر رحمة الله عليه قد قال بأن ” وفي معنى ما ذكر في هذا الحديث من القمص والسراويلات والبرانس يدخل المخيط كله بأسره ، فلا يجوز لباس شيء منه للمحرم ، عند جميع أهل العلم “.
علاوة عما قد قاله الإمام الحافظ بن حجر رحمة الله عليه، فقد قال عن عياض ” أجمع المسلمون على أن ما ذُكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم ، وأنه نبَّه بالقميص والسراويل على كل مخيط ، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس به مخيطاً أو غيره ، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل “.
زيادة عن كون أن بن دقيق العيد قد أجمع علي الرأي الثاني بتحريم لبس الملابس الداخلية وهو مذهب أهل القياس، وهو تحريم المخيط، وهو ما يلبس علي الموضع الذ جعل له، حتي ولو كان علي أجزاء من الجسد.
بينما الفقهاء من الذين أباحوا لبس التبان والملابس الداخلية تحت ملابس الإحرام هو أن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها قد أجازت لبس الحمالين، وهذا هو ما قد ورد عن عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه بأنه قد كان يرتديه.
إلا أنه علي الرغم من كل ما قد سبق ذكره بالدلائل، إلا أنه قد أجاز الكثير من الفقهاء لبس التبان، وذلك في بعض الحالات المعينة مثل من كان يعمل في أعمال التحميل وغيرها من الأعمال الشاقة التي يخشي خلالها العبد أن تنكشف عورته للأخرين.
علاوة عن كون أنه من المباح أن يرتدي التبان في حالة لو كان العبد يتمزق جلده نتيجة للاحتكاك، ففي هذه الحالة من حق العبد الخوف علي نفسه من الضرر، بالإضافة إلى من تعرض لأي جرح في عورته ويحتاج إلى تغطيتها.
والجدير بالذكر هو أن هذا يشابه كثير ما قد مر به عمار بن ياسر، إلا أنه في هذه الحالة فيجب علي من تسري عليه هذه الحالة دفع الفية والتي تتمثل في إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح لله، وهذا ومصداقا لقول الله تعالي في كتابه الكريم بسورة البقرة في الآية رقم 196.
بجانب أنه حينما قد سئل الشيخ بن عثيمين رحمه الله وأرضاه حول لبس التبان، نظرا لكون أنه لو لم يردتيه سيصيبه الضرر، فقد قال.
” بأنه في حالة الخوف من الإصابة بالضرر فيجوز لبسه، إلا أنه سيكون عليه دفع الفدية حينها من إطعام المساكين أو الصوم أو الذبح “.
هل يجوز لبس المخيط بعد الاغتسال
اجمع جمهور الفقهاء بأنه يجب علي المحرم أن يتجنب تسعة من المحظورات، والتي تتمثل في تجنب قص الشعر والأظافر والطيب ولبس المخيط وتغطية الرأس وقتل الصيد والجماع وعقد النكاح ومباشرة النساء.
وبناءا علي هذا فإن لبس المخيط لا يجوز ارتداءه، سواء كان بعد الغسل أو قبله، إلا في حالة واحدة وهي مرض المحرم أو تواجد سبب وجيه، وفي هذه الحالة فيتوجب علي محرم دفع الفدية التي حددها الله عز وجل في كتابه الكريم، وتحديدا في سورة البقرة في الآية رقم 196 والتي قد سبق وذكرناها.
هل يجوز لبس سروال في العمرة
تأكيدا لما قد سبق وذكرناه فإن لبس السراويل في العمرة هو أحد المحرمات والمحذورات، وهذا نظرا لكونه من ضمن التبان، فلا يجوز لبسه سواء كانت هذه السراويل قصيرة أو طويلة، وهذا نظرا لكون أن هذه السراويل مصنوعة للبدن وهو ساتر للعورة المغلظة.
هل يجوز لبس الحزام في الإحرام
نظرا لكون أننا فيما قد سبق ذكره قد أوضحنا بأنه لا يجوز لبس المخيط في الإحرام، فقد فهم البعض بأنه لا يجوز ارتداء الحزام في حالة لو كان مخيطا، علي الرغم من كون أن المخيط هو الذي يحرم لبسه علي محرم في حالة لو كان مفصلا خصيصا لعضو ما وهذا مثل السراويل والأقمصة، والجدير بالتوضيح هو أن النهي ليس عاما علي كل ما به خياطة.
وبناءا علي ما قد ذكره الأستاذ الدكتور يونس الأسطل أستاذ الفقه بالجامعة الإسلامية في غزة بفلسطين، فقد أجاز لبس الحزام فوق الإزارـ وذلك بغرض امساك الإزار ووضع احتياجات المحرم الشخصية فيه، ولا ضرر في لبسه حتي ولو كان مخيطا.
بالإضافة إلى أن الشيخ بن عثيمين رحمة الله عليه قد قال بأن وضع الحزام علي الإزار لا حرج فيه، حتي ولو كان مخيطا، فالمعضلة هنا قد جاءت من الفهم الخاطئ للمخيط والنهي عن لبس المخيط في الإحرام، والأصل في التحريم أو النهي ليس العموم علي كل ما هو مخيط، وإنما المخيط من الملابس المحرمة في الإحرام كالسراويل والقمصان، وليس هم الفقهاء كل ما قد تمت خياطته.