قصة يونس في بطن الحوت من القصص التي تبعث في النفس الشعور بالأمل، فهل يوجد مكان أصعب من بطن الحوت الذي لم ييأس فيه صاحبه وظل يُردد “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”؛ ليُنجيه الله من هذا الكرب العظيم، ويعود إلى الحياة مرة أخرى. وعلى الرغم من أنك قد تتعجب من تلك الدرجة الإيمانية التي تمتع بها ذو النون إلا أن تلك القصة تُخبرنا بقدرة الله عز وجل على فك الكرب بالمداومة على ذكره عز وجل، فإن كنت ترغب في التعرف على قصة سيدنا يونس، فكل ما عليك هو متابعة السطور التالية على موسوعة.
أرسل الله عز وجل نبيه يونس إلى قوم “نينوي” في الموصل، من أجل هدايتهم إلى طريق الحق والرشاد، والبُعد عن عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، وكغيره من الأنبياء تعرض للكثير من أنواع الهجوم، وكذلك لم يُصدقه إلى الفقراء المستضعفين في الأرض، فآمن معه عدد قليل جدًا من البشر، وبعد الاستمرار في العناد والتكذيب، خرج يونس عليه السلام من القرية، وأخبر أهلها بأن الله تعالى سيُرسل عليهم عذاب عظيم، إلا أن خروجه لم يكن بوحي من القدير سبحانه، وبمجرد ما أرسل الله العذاب على قوم يونس ندموا على ما فعلوا، وبكوا واستغفروا الله من ذنوبهم، وطلبوا العفو والسماح، وبالفعل تاب الله عليهم وعفا عنهم.وجاء ذلك في قوله تعالى بسورة الأنبياء “وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ“.
على الجانب الآخر توجه يونس عليه السلام إلى سفينة، وركبها، ولكن تلاطمت الأمواج بفعل الرياح والعواصف الشديدة، وأوشك طاقم السفينة بالكامل على الغرق، فما كان منهم إلا أن بحثوا عن شخص يقذفوه في الماء من أجل تخفيف الوزن، ولأنه من الصعب أن يقع الاختيار على شخص دون وجود معيار لذلك، فاتفقوا على القرعة، والتي تتم من خلال كتابة مجموعة من الأسماء، ومن ثم الاختيار من بينها بشكل عشوائي، وأُجريت القرعة وفي المرة الأولى وقع الخيار على يونس عليه السلام، وفي الثانية كذلك، وفي الثالثة كذلك، فكان لابد من إلقاءه في البحر.
كانت تلك عاقبة الخروج عن أوامر الله عز وجل، واليأس من الدعوة إليه، فأرسل الله تعالى حوتًا ضخمًا ليبتلع يونس، ويُحافظ عليه من الغرق، وكذلك لا يتناوله، أو يمسه بالسوء، وبالفعل حدث ذلك وبمجرد ما تمكن يونس من استيعاب الأمر بدأ بشكر الله عز وجل، وظل يسجد، ويذكر الله تعالى ليُنجيه من هذا البلاء العظيم، ومن المؤكد أنه لولا ذكره وتسبيحه للبث في بطن الحوت ليوم البعث، “فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ” سورة الصافات آية 144.
استجاب المولى عز وجل لدعاء يونس في بطن الحوت، وتقبل توبته، فأمر الحوت أن يلفظه على الشاطئ، ولأنه ظل عدة أيام دون طعام أو شراب، فكان هزيلاً ضعيفًا يحتاج إلى ما يُغذيه، فإذا بقدرة المولى تتجلى وتُنبت عليه شجرة من اليقطين ليستظل بظلها، ويتناول ثمارها. ووُرد ذلك في قوله عز وجل بسورة الصافات ” فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ، وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ” وبعدما استعاد قواه مرة أخرى تمكن من الرجوع إلى قومه مرة أخرى وقد أنعم عليهم الله بالتوبة، والرجوع عن المعصية، وعاش بينهم هاديًا ومرشدًا يُعلمهم أصول العبادة والدين.
ومن تلك القصة نتعلم أن عصيان أوامر الله عز وجل لا تؤدي إلا للهلاك، كما أن الصبر والاحتساب، والمداومة على ذكر الله عز وجل هي أساس فك الكرب، وإزالة الغمة.