في الكثير من الأحيان، قد يوافق يوم عرفة وهو التاسع من شهر ذي الحجة يوم جمعة، لذلك يتساءل الكثير هل هناك فضل لموافقة اليومين لبعضهما البعض؟ خاصة بعد توارد أحاديث نُسبت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه إذا وافق عرفة يوم الجمعة فتكون الحجة في ذلك العام تعادل 70 حجة أو 72 حجة.
ولكن تلك الأحاديث باطلة وليست صحيحة، لأنه لا أصل لها.
فقد قال ابن القيم: “وأما ما استفاض على ألسنة العوام بأنها تعدل ثنتين وسبعين حجة: فباطل لا أصل له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من الصحابة والتابعين والله أعلم”.
أي أنه ليس هناك فضلًا عن موافقة يوم عرفة ليوم الجمعة، وليس هناك مزية في مضاعفة الأجر في هذا اليوم.
مزايا وقوف عرفة يوم الجمعة
قال ابن القيم رحمه الله، أن هناك عدة مزايا من موافقة يوم عرفة ليوم الجمعة وهي:
يُعد يوم عرفة أو يوم النحر هو أفضل أيام السنة، ويوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع، ففي هذا اليوم يجتمع أفضل يومين.
في يوم الجمعة ساعة إجابة، وأكثر الأقوال أن تلك الساعة هي الساعة الأخيرة بعد العصر، وفي هذا اليوم يقف أهل الموقف في تضرع يدعون الله عز وجل.
تصادف يوم الجمعة مع يوم عرفة يوافق يوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في يوم الجمعة يجتمع جميع المسلمين لخطبة وصلاة الجمعة، وفي يوم عرفة يجتمع المسلمون على عرفة لأداء أعظم ركن من أركان الحج، فيكون هو اليوم الوحيد الذي يشهد اجتماع المسلمين في المساجد وفي الموقف، يتوجهون بالدعاء لخالقهم عز وجل.
في يوم عرفة الذي صادف يوم الجمعة، أكمل الله تعالى دينه على عباده وأتم عليهم نعمته، فقد جاء في صحيح البخاري عن طارق بن شهاب قال : جاء يهودي إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين آية تقرؤونها في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ونعلم ذلك اليوم الذي نزلت فيه لاتخذناه عيداً قال : أي آية ؟ قال : “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ، فقال عمر بن الخطاب: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ، يوم جمعة ، ونحن واقفون معه بعرفة”.
عندما يوافق يوم عرفة يوم جمعة، فهو يوافق يوم الجمع الأكبر، لأن القيامة لا تقوم إلا يوم جمعة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه”.
يكثر المسلمون من الطاعات والعبادات في هذا اليوم أكثر من أي يوم آخر.
يتقرب الله عز وجل عشية يوم عرفة من أهل الموقف ليباهي بهم الملائكة.
يوم عرفة إذا وافق الجمعة ابن عثيمين
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين، أنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي شيء يخص فضل يوم عرفة إذا صادف يوم الجمعة، ولكن قال العلماء أن تلك المصادفة فيها خير.
وأسباب الخير من موافقة اليومين لبعضهما البعض، هو موافقة وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عرفة يوم الجمعة، فتكون الحجة كحجة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولأن في يوم الجمعة ساعة إجابة، يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا فيعطيه له.
ولأن هناك خيرًا من توافق العيدان، وهنا يتوافق يوم عرفة وهو عيد، ويوم الجمعة وهو عيد.
يجتمع في هذا اليوم أسباب القبول من حيث الزمان والمكان، فيدعو المسلم وهو على طهارة ومستقبل القِبلة وفي مكان وزمان فاضلين، فيكون أرجى أوقات إجابة الدعاء.
صوم يوم عرفة يوم الجمعة
يتساءل الكثير عن حكم صيام يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة، لأنه من المنهي عنه إفراد يوم الجمعة بالصيام بلا سبب، ودون صيام يوم قبله ويوم بعده.
وقد أكد العلماء على أنه لا حرج من صيام يوم عرفة في حال موافقته يوم جمعة.
فهذه الحالة الوحيدة التي يمكن إفراد يوم الجمعة بالصيام فيها، وذلك لمن اعتاد صيام يوم عرفة كل عام.
فقد قال ابن قدامة في المغني: قلتُ: “رجل كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، فوقع فطره يوم الخميس، وصومه يوم الجمعة، وفطره يوم السبت فصام الجمعة مفرداً؟ فقال: هذا الآن لم يتعمد صومه خاصة، إنما كره أن يتعمد الجمعة“.
صلاة الجمعة يوم عرفة
إذا صادف يوم عرفة يوم جمعة، هل يصلي الحجاج صلاة الجمعة؟
فقد قال جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، أنه إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة؛ فتكون صلاة الجمعة صلاة ظهر سرية.
واستندوا في ذلك إلى موافقة يوم عرفة حجة الوداع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث صلى بالناس الظهر والعصر صلاة سرية.
حيث روى جابر بن عبد الله أن النبي: “لما وصل بطن الوادي يوم عرفة نزل فخطب الناس، ثم بعد الخطبة أذَّن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر”.
وهناك من العلماء من يرون أنه ليس على الحجاج صلاة جمعة لأنهم في عداد المسافرين، حتى أهل مكة منهم.
بينما قال الظاهرية؛ قال الإمام ابن حزم في “المحلى بالآثار”: “وَإِنْ وَافَقَ الْإِمَامُ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ جَهَرَ، وَهِيَ صَلَاةُ جُمُعَةٍ، وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَيْضًا بِمِنًى وَبِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ”.