عندما يتم ذكر تاريخ الطيران، فينصرف الذهن مباشرة إلى أول من حاول القيام بمحاولة طيران في الهواء من بين آدم كلهم، وهو الذي تمكن من بداية مسيرة طويلة من الاختراعات والابتكارات، والتي ساعدتنا لعبور حاجز الفضاء، والتخلص من تأثير الجاذبية الأرضية، بل واستخدامها بالطرق المثلى لجعلها تعمل لصالحنا، وهو عباس بن فرناس العلامة الإسلامي الذي تخطت سيرته الزمن والمكان، وما زالت حية إلى وقتنا الحالي.
ولد عباس بن فرناس بن ورداس الأندلسي المسلم في مدينة روندا، وهي المدينة الواقعة في مقاطعة ملقا جنوب الأندلس- إسبانيا اليوم- العام 810 للميلاد، وهو أحد أبناء عائلة ذات أصول أمازيغية، والذي اشتهر بمحاولته الرائدة في التاريخ البشري للطيران، وقد عرف أنه قد قضى معظم عمره في طلب العلم، وكان متنقلاً من بلد إلى بلد، واستطاع أن يلتحق بدار الحكمة في بغداد، وقد تمكن من دراسة الكثير من العلوم في بغداد- والتي كانت عاصمة للعلوم حينها- فتعلم الفلك والنجوم والهندسة والموسيقى، وحتى أنه تمكن من دراسة علم الفيزياء وبرع فيه.
نشأ عباس بن فرناس في بلاد الأندلس، والتي كانت تحت سيطرة الدولة الإسلامية حينها، وتعتبر تلك البلاد هي مركزاً مضيئاً للعلم والعلماء، وقد عرف عن بن فرناس أنه كان يحب للتعلم والعلم في الكثير من المجالات المختلفة، فقد درس العديد من المجالات المختلفة، والتي من بينها ما يلي.
لكن عرف عنه اهتمامه الكبير بالهندسة عن باقي المجالات المختلفة، وحبه الكبير في الاختراع، وتذكر المراجع التاريخية مدى اهتمامه بالقيام بالعديد من الاختراعات، والذي بدأ معه هذا الشعور منذ الصغر، فقد عرف عنه الفضول والموهبة الكبيرتين، فكان يحب تفكيك الآلات والقيام بإعادتها وتركيبها مرة أخرى.
لم يستطع عدد كبير من علماء الغرب بان عباس بن فرناس هو أول من قام باختراع آلة طيران، وكان ذلك في القرن التاسع عشر، واستطاع أن يستوحي الفكرة الأساسية لها من القرآن الكريم، وعلى وجه الخصوص من الآية الكريمة في قوله- تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) (سورة الملك الآية: 19)، واستطاع ابن فرناس فهم الآية الكريمة، وعرف من خلالها أن الطيور تعتمد في طيرانها على أجنحتها، والتي تمكنها من الثبات في الأفق، فعكف على صناعة آلة طيران، بحيث تعمل تلك الآلة على هذا المبدأ، وعلى هذا يعتبر له الريادة في هذا المجال، متفوقاً على كل من.
كان يعرف عن عباس بن فرناس أنه واحداً من أهم شعراء العصر الأموي الرسميين الموجودين في بلاد الأندلس، وذلك كان خلال إمارة الحكم الأول، وكان واحداً من شعراء القصر، والذين يوكل لهم تنظيم الأحداث الرسمية، والتي من بينها مجالس الشعر والجنائز، وحتى المشاريع العامة، وقد ذكره ابن حيان في مؤلفاته، بحيث كان اسمه مرتبطاً باسم مؤمن بن سعيد، فقد كانا يتبادلان الهجاء، ولكن لم يصل إلينا الكثير من شعر بن فرناس للأسف، كون شعره تبعثر ولم يتم جمعه مثل معظم شعراء عصره،
يعد من الجدير بالذكر أن عباس بن فرناس كان واحداً من الشعراء الأقلاء الذين ظهروا في المصادر المشرقية، بعد فترة زمنية كبيرة من وفاته، وسنحاول عرض بعض الأبيات التي نشرت في مجلة مجمع اللغة العربية، والتي نشرت بعنوان (ما وصل إلينا من شعر عباس بن فرناس)، وكانت تلك الأبيات هي نفسها التي ذكرت في الميقاتة، وكان قد صنعها وأهداها بن فرناس إلى الأمير محمد بن عبد الرحمن.
وقام زرباب بالتغني في مجلس محمود بن أبي جميل (الأمير حينها) بقوله.
استطاع عباس بن فرناس خلال حياته تقديم مجموعة من الاختراعات الهامة للبشرية، والتي من بينها كل مما يلي.
سنحاول الحديث عن بعض تلك الاختراعات فيما يلي.
استطاع عباس بن فرناس تطوير آلة يطلق عليها ذات الحلق، أو الأسطرلاب الكروي، وهي نموذج للعالم السماوي، وتم بناء ذلك النموذج باستخدام حلقات وأطواق تشير إلى خط الاستواء ودوائر العرض الأساسية الموجودة بكوكب الأرض، وقد تم استخدام تلك الآلة في إجراء العمليات الحسابية، والعمل على ملاحظة الأجرام السماوية، ويتم ذلك عن طريق القيام بتحريك حلقات الآلة، بما يتوافق مع مستوى الحلقات السماوية، ويتم الإشارة إلى أن تلك الآلة قادرة على القيام بالدوران حول محورها.
يعد عباس بن فرناس هو المخترع الأول للقب السماوية، والتي تمثل السماء بكل ما تحتويه من صور إبداع في منزله، الأمر الذي جعل منزله مقصداً للناس، حتى يتمكنوا من الاستمتاع من مشاهدة للمظاهر الطبيعية التي يمكن ملاحظتها بوضوع في تلك القبة داخل منزل عباس بن فرناس.
استطاع عباس بن فرناس صناعة الزجاج الشفاف ذي الجودة العالية، والذي كان يعتبر أول من استطاع إنتاج الزجاج من الرمل والحجارة، وذلك بالإضافة إلى قدرته على إنتاج زجاج من نوعية الكوارتز، والزجاج عالي النقاء، الأمر الذي جعل من عملية إنتاج الزجاج الشفاف ذي الجودة العالية اختراعاً مسلماً بامتياز، وكان ذلك في القرن التاسع الميلادي.
توفي عباس بن فرنا في العام 887 للميلاد، وكان ذلك في مدينة قرطبة، وقد كان حينها يبلغ من العمر قرابة 77 عاماً، ويذكر إلى أن عباس بن فرناس لم يمت نتيجة سقوطه في محاولته للطيران، ولكن بعد تلك الواقعة بما يقرب من 12 عاماً، ولكن التبس الأمر على بعض المؤرخين، وخالطوا بينه وبين سيرة الجوهري، والذي استطاع إجراء تجربة طيران مشابهة لتجربة بن فرناس، وكان ذلك عام 1007، والذي توفى إثرها، ولكن كان ذلك بسبب عدم قدرته في التحكم في الشراع الذي ربط نفسه به، ولم يستطع الهبوط به بشكل صحيح، ما أدى إلى سقوطه وموته.