انتشرت الكثير من الأفكار العلمانية في الاونة الأخيرة في بلاد الشرق الأوسط وقد ساعد على ذلك الصحفيين والمثقفين من اصحاب الافكار العلمانية. وقد اجتهد هؤلاء الاشخاص في نشر افكارهم الغريبة عن طريق التكنولوجيا ومن بعدها اعتبروا ان افكارهم هي افكار طبيعية مسلم بها لا يوجد فيها ما هو مستحدث وقاموا بوضع اتهامات باطلة لكل من يعارض هذه الافكار. فقام العلمانيين باتهام كل من يعارضهم او يشكك في افكارهم بمجموعة من التهم الثابتة والمحفوظة ومنها الشعوبية والرجعية والظلامية والتصدي للمشروع الحداثي الديمقراطي.
• وما قد تم تداوله في الفترة الاخيرة في منابر وجلسات العلمانيين هى أفكار أن الحقيقة نسبية. وبهذا المنطق الذي يتداوله العلمانيين فأن الحقيقة بالنسبة للفرد هو موضوع نسبى. وقد اعتبر العلمانيين ان جميع الأراء صحيحة وان اقتناع الشخص بها هو شئ نسبي مما يدل على ان كل الامور الاخلاقية وكل الأشكال الدينية صحيحة وان أيضا مدى اقتناع الشخص بها هو ما يحركه لاختيار ما يصلح له. وقد اشار العلمانيين ان الاختيارات الادبية والأمور السياسية هى امور نسبية وجميعها صحيحة ولكن تختلف في ترجيحها من قبل صاحب الرأي. وبهذه الاراء فان العلمانيين يعتبرون الحقيقة نسبية وكل شئ صحيح بنسبة متساوية إلى ان يرجحه او يختاره صاحب الرأي في القضية.
• وقد لجا العلمانيين الى هذا التفسير حتى يتمكنو من اثبات الفكر الليبرالى الذي يسيرون على أثره. ففي حالة أن يكون هناك ما يسمى بالحقيقة الكاملة المطلقة فسوف يؤمن الناس بها ايمان مطلق. وفي حالة الايمان المطلق لن يكون هناك فرصة للتفكير بدون قيود وبذلك يتعارض هذا مع الفكر الليبرالى الذي يسير عليه العلمانيين لان الفكر الليبرالى يقوم على التوصل إلى الاقتناع بعد المناقشة واختيار الحل الانسب. وقد قام الليبراليين بنشر هذه المعتقدات لاقناع الاشخاص العاديين بها حتى لا يستطيع احد الأشخاص فرض راي له على شخص أخر باعتبار ان جميع الأراء صحيحة ولكن لكل شخص الحرية المطلقة في اختيار المعتقدات والأفعال الخاصة به وبذلك فلا يوجد من لديه الحقيقة التامة ولا يوجد من يستطيع اتهام شخص اخر بالخطأ او الضلال.
• هذا وقد بدأت هذه الأفكار في الانتشار منذ القرن الثالث والرابع قبل الميلاد في اليونان حيث وصل الفلاسفة اليونانيين إلى رفض فكرة الحقيقة التامة المطلقة وتبنى فكرة نسبية الحقيقة. وقد تم ذلك في اليونان بعد أن زادت النزاعات والتناقضات في اليونان وادت الأراء المتناقضة في البلاد الى ازمات شديدة حتي يتم توفير تعب ومشقة الوصول الى الحقيقة التامة. هذا وقد قام علمانيين اليوم باخذ نفس الأفكار ونشرها وقاموا بالدعوة اليها والتى تشير ان لا يوجد ما يسمى بالحقيقة التامة وان الحقيقة التامة هي نسبية بناء على معتقدات وأفكار الشخص.
• هذا وقد لجا الليبراليين الى هذه المعتقدات والأفكار مع العلم ان للانسان عقل يفكر به ويدرك الصواب من الخطأ على عكس ما يريده الليبراليين. فقد قاموا بالتشكيك أيضا في الوحي الذي قد انزله الله على الرسول صلى الله عليه وسلم في قولهم بخصوص الوحي انه لا يمكن الجزم في شئ ابدا مما يؤدي بهم إلى تشويه قدسية الوحي. ولكن ان كان هذا صحيح لما ارسل الله تعالى الرسل للناس وتوعد بالنار لمن لا يؤمن لأن الايمان بالله والسنة النبوية هي حقيقة مطلقة لا يوجد بها جدال او نقاش كما يقول الله تعالى: “وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (سورة الأنعام). كما قال الله تعالى: “فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ” (سورة النمل)، وقال تعالى: “وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ” (سورة فاطر)، وقال تعالى: “فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ” (سورة يونس) وقال تعالى: “فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ” (سورة يونس).
• وقد اتجهت معظم دول العالم بعد التقدم والحضارات التى قامت بها هذه الدول الى تحقيق النسبية في الديمقراطية بعد قيام هذه الدول بتفعيل النسبية بين الجنسين وهى الكوتا النسائية. كما قامت هذه الدول بتفعيل النسبية في الأجيال والتى قد تم على أثرها تخفيض سن الانتخاب ليتحقق التوازن بين الرجال والنساء كما يتحقق التوازن بين الاجيال السابقة والقادمة في قوانين الانتخاب وفي شتى نواحي الحياة.
• وقد واجهت هذه الدول المتاعب والصعوبات وخاصة فرنسا في الانتخابات الفرنسية السابقة. فقد ادى مبدأ نسبية الديمقراطية الذي قد تم تنفيذه في فرنسا الى حدوث التعطيل السياسي حيث ان وجود عدد كبير من القوى السياسية في تشكيل الحكومة الفرنسية ادى إلى صعوبات في اتخاذ القرارت.
• وقد ادي اختلاف القوى السياسية إلى تعمد الاحزاب السياسية في البلاد ان تقوم بتعطيل اتخاذ القرارات الهامة في الحكومات لاثبات فشل هذه الحكومات في ادارة البلاد. ولهذا قررت الكثير من الدول الكبرى التخلى عن مبدأ نسبية الديمقراطية في انتخاباتها المختلفة حتى لا يتسبب ذلك في تعطيل القرارات السياسية الخاصة بهذه الدول.