العصر العباسي من أزهى العصور الإسلامية؛ لذا تقدم الموسوعة احمد بن طولون ؛ فلقد كانت الدولة العباسية تهتم بالتعليم اهتمامًا كبيرًا، كما أنها سعت على تكوين جيش قوي يُدافع عن الخلافة العباسية، وكانت مصر تقع تحت حكم الخلافة العباسية، وقد أرسل الخليفة العباسي أحمد بن طولون ليكون واليًا على مصر؛ ولكن أحمد بن طولون جعل حكم مصر مستقل عن حكم الخلافة العباسية، وأسس دولة سُميت على اسمه هي الدولة الطولونية، ولعل أحمد بن طولون أول من استقل بمصر، كما أنه عمل على القضاء على القوى المُعارضة له؛ حتى يتسنى له إدارة شؤون البلاد له على أكمل وجهٍ، فهيا معًا نتعرف على أحمد بن طولون وما قام به من إنجازات عظيمة في مصر.
نشأ أحمد بن طولون في قبيلة التغزغز التركية، وبالتحديد إلى أسرة في مدينة بُخارى، أبوه يُدعى طولون، وعلى اسم والده سُميت الدولة الطولونية التي استقل بها ابنه عن الخلافة العباسية، كان والده مملوكا لأحد الأسر التركية، فأرسل مع المماليك الذين كانوا من ضمن الهدايا المقدمة إلى المأمون، وأعجب المأمون بطولون بعد معرفته له، وقربه منه جدا، حتى إنه قام بتكليفه ببعض المهام في الدولة؛ فقام بها على أتم وجه، ومن شدة حبه له عينه قائدًا للحرس.
وقد شغل طولون هذا المنصب إلى ما يقرب من عشرين سنة، وقد وُلد أحمد بن طولون في عام 835 م، لجارية تُدعى ( قاسم)، وقيل هاشم، وقد قال بعض المؤرخين المصريين إن أحمد بن طولون لم يكن والده طولون، وإنما تبناه ط\ولون لما رأى نباهته وفطانته، ولما وجده منه من حفظ للقرآن الكريم، وأخلاقه الحسنة النبيلة، وأظن أن هذا الرأي ضعيفًا؛ لأنه لو كان كذلك ما سمى الدولة الطولونية باسم والده، وكان المأمون يلقب طولون بأمير الستر، وذلك نظرًا للجهود التي يقوم بها في حراسة المأمون، ودوره الفعال في المهام العسكرية التي يُقدمها للجيش.
وقيل إن طولون قد ولد له الكثير من الأبناء، ولكن أحمد كان أقرب أولاده إليه، فهو الذي تولى رعايته وتربيته بعيدًا عن إخوته الذين تربوا تربية أعجمية وذلك بسبب الأوساط التركية التي عاشوا فيها، وكان أحمد بن طولون تظهر عليه نبوءة القيادة منذ صغره، وهذا لم يتسنى له إلا بعد موت أبيه؛ حتى غن الخليفة المتوكل على الله قد أمره أن يُمسك بزمام الأمور العسكرية بدلًا من أبيه الذي لاقى مصرعه، وكان سن أحمد بن طولون في ذلك الوقت يُقارب على العشرين سنة.
وحينما تولى زمام الأمور العسكرية دخل في خضم الأحداث السياسية سريعًا، فكانت أول أعماله الاستيلاء على دمشق، والديار المصرية، وبذلك حفر أحمد بن طولون اسمعه عند الخليفة وعند عامة الشعب، وأخذ يتدرج في المناصب؛ حتى عينه الخليفة أميرًا على مصر التي كانت تقع تحت حكم الخلافة العباسية، ولكنه سرعان ما ظهرت شخصية أحمد بن طولون القيادية، وعمل على استقلال مصر عن الخلافة العباسية، وهذا الاستقلال له محوران، المحور الأول: شخصية وقدرة أحمد بن طولون اللذان كانا لهما الدور الأكبر في هذا القرار الذي أخذه، كما أن هذا القرار يدل على أن أحمد بن طولون كان يُؤسس لنفسه منذ فترة بعيدة أن يكون له ولاية مستقلة يحكمها بنفسه، ولا يتحكم في حكمه أحدًا.
ومن أهم الأعمال التي قام بها أحمد بن طولون هو مسجد أحمد بن طولون الذي بناه، ولعل السر في بناءه هذا المسجد كما يحكي كتاب القاهرة جوامع وحكايات، فأحمد بن طولون كان يُصلي في مسجد ضيق جدًّا، فقرر ابن طولون بناء هذا المسجد في المكان، واختار هذا المكان خصيصًا؛ لأنه قد رأى رؤية في منامه أن الله عز وجل تجلى في القصور والأماكن المحيطة بالمسجد، ولم يتجلّ على هذا المكان؛ ففسر له المفسرون فأشاروا عليه ببناء المسجد، ورأى رؤية أخرى أن هذه نارًا التهمت المسجد.
ففسر له المفسرون ذلك بأن الله عز وجل قد تقبل منه هذا العمل الذي فعله وهو بناء المسجد، والنار دليلٌ على قبول القربان، ويتميز هذا المسجد بمساحته الكبيرة جدا التي تصل إلى ستة أفدنة ونصف، وقد أنفق عليه ما يقرب من 120 ألف دينارًا، وتتسع ساحاته إلى ملايين المصلين، وهو يعتبر تحفة معمارية قدمها أحمد بن طولون إلى القاهرة، وفي بناء هذا المسجد؛ دليلٌ على أن أحمد بن طولون كان متدينًا، ويُراعي الله عز وجل في كل أقواله وأفعاله؛ لأنه لما رأى الرؤية؛ هرول إلى مفسرين الأحلام؛ حتى يُحاول أن يُقوم الأخطاء التي قام بها، وبالفعل حدث ذلك ببناء المسجد.