لقد خص الله تعالى اللغة العربية بكونها أغنى اللغات بالمفردات والأساليب، وقد استغل العرب شعراؤهم وكتابهم هذه الخصيصة فأنشأوا لنا لآليء منثورة لا تحصى من بديع الأشعار والكتابات، ونحن نتناول في هذا المقال بعض العجائب الشعرية، ربما تساءلت يومًا فقلت هل يمكننا قراءة كلمات بالمقلوب؟ ربما صدمت إذا علمت أن الإجابة هي نعم، ولكن الأعجب أن هناك أبياتًا يمكنك قراءتها بالمقلوب مع فهم معنىً مضاد للمعنى الأصلي، تابع الموسوعة لتتعرف على هذه الأبيات العجيبة.
اقرأ هذه الأبيات واستمتع بجمال وعبقرية اللغة العربية؛ يقول الشاعر:
ألوم صديقي وهذا محال
صديقي أحبه كلام يقال
وهذا كلام بليغ الجمال
محال يقال الجمال خيال
مودته تدوم لكل لهو…..وهل لكل مودته تدوم
اقلب البيت حرفًا حرفًا وانظر إلى هذا النظم العجيب وانظر إلى أعجب منه:
حلموا فما ساءت لهم شيم….سمحوا فما شحّت لهم منن
سلموا فلا زلّت لهم قدم……رشدوا فلا ضلت لهم سنن
هذين البيتين للمدح ولكن لاحظ الآن ماذا سيحدث إذا قرأناهما من اليسار كلمةً كلمة؟
منن لهم شحّت فما سمحوا….شيم لهم ساءت فما حلموا
سنن لهم ضلت فلا رشدوا….قدم لهم زلت فلا سلموا
لقد صار معناها ذمًا بعد أن كان مدحًا
انظر إلى هذه الأبيات الجميلة التي قالها أحد الشعراء في نوفل بن دارم:
إذا أتيت نوفل بن دارم….أمير مخزوم وسيف هاشم
وجدته أظلم كل ظالم….على الدنانير والدراهم
وأبخل الأعراب والأعاجم…بعرضه وسره المكاتم
لا يستحي من لوم كل لائم…إذا بالحق في الجرائم
ولا يراعي جانب المكارم…في جانب الحق وعدل الحاكم
يقرع من يأتيه سن النادم….إذا لم يكن من قدم بقادم
فإذا اكتفيت بقراءة الشطر الأول من كل بيت لوجدتك تنطق بقصيدة ذم بدلًا من قصيدة المدح السابقة:
إذا أتيت نوفل بن دارم………وجدته أظلم كل ظالم
وأبخل الأعراب والأعاجم…. لا يستحي من لوم كل لائم
ولا يراعي جانب المكارم…يقرع من يأتيه سن النادم
أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بدائه…..إِنْ أَنَّ آنٌ آنَ آنُ شفائه
وتفسير البيت:
وهذا لأن مخارج جميع الحروف المكون منها البيت لا تعتمد على الشفتين:
قطعنا على قطع القطا قطع ليلة سراعًا على الخيل العتاق اللاحقِ
طلبوا الذي نالوا فما حرموا….رفعت فما حطت لهم رتب
وهبوا وما منت لهم خلق……سلموا فلا أودى بهم عطب
طلبوا الذي يُرضى فما كسدوا…حمدت لهم شيم وما كسبوا
غضبوا وما ساءت لهم خلق…. ستروا فما هتكت لهم حجب
ذهبوا وما يمضي لهم أثر …..رحموا فلا حلت بهم نوب
حسب لهم يزكو فما سقطوا….كلم لهم صدقت فما كذبوا
عصب لهم نصرت فما خذلوا…شرفوا فلا يدنو لهم حسبُ
فإذا قرأ الأبيات من اليسار إلى اليمين صارت أبيات ذم بعد أن كانت أبيات مدح:
رتب لهم حطت فما رفعت….حرموا فما نالوا الذي طلبوا
عطب بهم أودى فلا سلموا….خلق لهم منت وما وهبوا
كسبوا وما شيم لهم حمدت…كسدوا فما يرضى الذي طلبوا
حجب لهم هتكت فما ستروا…خلق لهم ساءت وما غضبوا
نوب بهم حلت فلا رحموا…أثر لهم يمضي وما ذهبوا
كذبوا فما صدقت لهم كلم…سقطوا فما يزكو لهم حسبُ
حسب لهم يدنو فما شرفوا…خذلوا فما نصرت لهم عصبُ
الحمد لله الصمد….حال السرور والكمد
الله لا إله إلا……الله مولاك الأحد
بشجي يبيت في شجن….فتن ينتشبن في فتن
شيق تيق تجنب في….نفق ضيق بقي ففني
كانت تلك بعض الأبيات العجيبة ذات النظم البديع التي إن دلت على شيء فإنما تدل على ثراء اللغة العربية وقدراتها العظيمة في التعبير عن مكنونات النفس التي قد لا يستطيع الشاعر البوح بها خوفًا أو طمعًا ولكنه يضمنها في ثنايا كلامه وبين سطور نظمه، تابعونا على الموسوعة ليصلكم كل جديد في شتى علوم العياة وفنونها.