بحث عن الوصل والفصل

معتز ابراهيم 25 مارس، 2019

نتحدث في هذا المقال عن واحد من أدق أبواب البلاغة، وهو باب الفصل والوصل، وهو باب كما قال عن الإمام السبكي في كتابه عروس الأفراح: “هذا باب عريض لا بد فيه من التشمير عن ساق الجد”، ولذلك فسنحاول في موضوعنا اليوم أن نستقصي جزئيات الفصل والوصل، ونحاول شرحه، وشرح أمثلته وبلاغته، فتابعونا مع موسوعة في بحث عن الوصل والفصل. اللهم إنا نسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين.

تعريف الفصل والوصل

تعريف الوصل

لغةً

الوصل في اللغة من الربط من وصلت الشيء بغيره وصلًا فاتصل به، ومنه صوم الوصال وهو أن يصل صوم النهار بإمساك الليل، مع صوم الذي بعده دون أن يفطر شيئًا، ومنه وصلت المرأة شعرها بشعر غيرها وصلًا فهي واصلة، ومنه ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لعن الله الواصلة والمستوصلة”.

اصطلاحًا

الوصل في اصطلاح البلاغيين هو: عطف بعض الجمل على بعض بالواو خاصةً.

تعريف الفصل

لغةً

أصله القطع، من فصلته عن غيره فصلًا: نحيته، أو قطعته فانفصل، ومنه فصل الخصومات وهو الحكم بقطعها، وذلك فصل الخطاب، وفصلت المرأة فطيمها فصلًا فطمته، ومنه الفصيل لولد الناقة، لأنه يفصل عن أمه، وفصل الحد بين الأرضين فصلًا أي فرق بينهما.

اصطلاحًا

يعرف الفصل في اصطلاح البلاغيين بأنه ترك العطف بين الجمل.

وهذا الباب يختص عند الجمهور بالجمل التي لا محل لها من الإعراب، وبالواو خاصةً من بين حروف العطف. أي إنهم يخرجون منه عطف المفردات، والجمل التي لها محل من الإعراب، و العطف بغير الواو.

اهداف درس الوصل والفصل

  • يستهدف البحث في هذا الباب المناسبات بين المعاني، وتحديد صلات بعضها ببعض، وكيف ساغ أن تلتقي هذه تلك؟ ولم عطفت ولم فصلت؟ وما نوع الصلاة؟ وما درجتها؟ فيرى ما بين الجمل المتجاورة من علاقات.
  • كما يتناول مقاطع الكلام ومفاصله عند منتهى أجزاء معانيه، ما كبر منها وما صغر، ليتأمل هذه المقاطع ويحدد الخيط الرفيع الغائر في ضمير الكلام، فيجمع أول وآخره، وهل انخرط في هذا الخيط حبات من جنس واحد أو من أجناس متشابهة؟ أم كانت تسقط فيه حبات من أجناس متباعدة؟

تناسب المعاني

قد حرص العرب على التناسب بين المعاني والتآخي بين الكلمات وذلك بارز في تراث الشعراء والمتذوقين، فقد ذكروا الكلمة المتمكنة، والكلمة القلقة النابية، وذكروا الشعر الذي لا قران له، أنشد ابن الأعرابي:

وبات يدرس شعرًا لا قران له   فقد كان ثقفه حوله فما زادا

والحقيقة إن إدراك مستوى التآخي الذي تكون به الكلمات لينةً سهلة، ورطبة سلسة، مما يدق حتى يلطف أحيانًا حتى على المتمرسين بهذا الشأن.

الفصل والوصل عند عبد القاهر الجرجاني

قدم الإمام عبد القاهر الجرجاني لدراسة هذا الباب في كتابه دلائل الإعجاز بقوله: “اعلم أن العلم بما ينبغي أن يصنع في الجمل من عطف بعضها على بعض أو ترك العطف فيها والمجيء بها منثورةً تستأنف واحدة منها بعد أخرى من أسرار البلاغة، ومما لا يتأتى لتمام الصواب فيه إلا الأعراب الخلص، وإلا قوم طبعوا على البلاغة، وأوتوا فنًا من المعرفة في ذوق الكلام”.

أحوال الوصل والفصل

الحالة الأولى

وهي أن تكون الجملة الاولى لها محل من الإعراب، و قصد التشريك بينها وبين الثانية في الحكم:

  • وفي هذه الحالة تعطف الثانية عليها ويوصلان ببعض، وهذا مثل: محمد يعطي ويمنع، وزرت رجلًا يأمر وينهى.
  • وحكم هذا الوصل واجب لقصد مشاركة الجملة الثانية مع الاولى في المعنى والحكم الإعرابي.
  • كما يعد هذا من قبيل عطف المفرد على المفرد، لأن الجملة التي يكون لها محل من الإعراب تكون واقعةً موقع المفرد، فيمكننا أن نقول: محمد معطٍ ومانع.
  • كذلك يشترط أن يكون بين المعطوف والمعطوف عليه جهة جامعة، وذلك مثل قوله تعالى: “يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم، ومنه قوله تعالى: “والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون”.
  • ولذلك عيب على أبي تمام قوله:

لا والذي هو عالم أن النوى  صبر وأن أبا الحسين كريم

فلا مناسبة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى، ولا تعلق لأحدهما بالآخر، والبعض هناك جامع وهمي وهو أن الأول يفيد المرارة والثاني يفيد الحلاوة.

الحالة الثانية

وهي أن تكون الجملة الأولى لها محل من الإعراب، ولم يقصد التشريك بينهما في الحكم:

  • وفي هذه الحالة يجب الفصل، وذلك مثل قوله تعالى حكايةً عن المنافقين: “وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون. الله يستهزيء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون”.
  • ففصلت جملة “الله يستهزيء بهم” عما قبلها لعدم قصد تشريكها مع ما قبلها في الحكم  أو فيما قيد به، فهي ليست من قول المنافقين، ولو عطف لكانت من قولهم وهذا ليس مراد الآية.

اسباب الفصل بين الجمل

استقر البلاغيون على ان الفصل وترك الواو واجب في الجمل التي لا محل له من الإعراب ويكون ذلك في عدة مواضع، وهي:

كمال الاتصال

  • تكون العلاقة هنا بين الجملتين قويةً جدًا فيتصلان من ذات نفسيهما، فلا يحتاجان إلى الواو التي تكون كالغريب بينهما.
  • وضابط كمال الاتصال هو: أن تكون الجملة الثانية متصلةً بالأولى اتصالً تامًا، بحيث تكون منزةً منها منزلة التوكيد او البدل أو عطف البيان وبهذا يكون لكما التصال ثلاث صور، وهي:

 الصورة الأولى

         أن تنزل الجملة الثانية من الأولى منزلة التوكيد، والتوكيد يأتي لدفع توهم التجوز أو الغلط، وذلك على قسمين:

  • أن يلزم من ثبوت المعنى لإحداهما ثبوت معنى الأخرى، ومقتضى التوكيد دفع التجوز، وتكون الثانية في هذه الحالة بمنزلة التوكيد المعنوي من الأولى، وذلك مثل قوله تعالى: “ذلك الكتاب لا ريب فيه” فقد فصل جملة “لا ريب” عن الجملة الأولى لأنها تأكيد لها، فقد وصف الكتاب بأنه كتاب كامل لا نقصان فيه، فلما كان المعنى كذلك جاز أن يتوهم السامع أن هذا من الاحكام المبالغ فيها، فأتى بجملة “لا ريب فيه” لتؤكد المعنى وتدفع هذا التوهم وأنه من قبيل الحقيقة لا من قبيل المجاز، إزالةً لما قد يكون من توهم السامع أنك متجوز(أي مستعمل المجاز) أو ساهٍ.
  • أما القسم الثاني: فهو أن تنزل الجملة الثانية من الأولى منزلة التوكيد اللفظي، ويكون ذلك باتحاد الجملتين في المعنى، سواء اختلفتا في اللفظ أم اتحدتا، ومثال ما اتحدتا في المعنى واختلفتا في اللفظ، قوله تعالى: “ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين”، فبين جملة “هدى للمتقين”، و”ذلك الكتاب” اتحاد في المعنى، فجملة “ذلك الكتاب” تدل على أن الكاتاب كامل في الهداية، وهذا ما تفيده جملة “هدى للمتقين”، فهو هداية محضة.

ومن الجملتين اللتين اتحدتا في اللفظ والمعنى قوله تعالى: “فمهل الكافرين أمهلهم رويدا”، فالاتحاد بين هاتين الجملتين أغنى عن التعاطف لما فيه من قوة الربط.

الصورة الثانية

أن تنزل الجملة الثانية منزلة البدل من الأولى، والمقتضى للإبدال كون الاولى غير وافية بتمام المعنى بخلاف الثانية، والمقام يقتضي الاعتناء بالمراد لنكتة بلاغية، وذلك مثل: أن يكون مطلوبًا في نفسه فيتطلب الاهتمام، أو فظيعًا هائلًا لا يحيط الذهن به من أول مرة، أو عجيبًا يقتضي التوطئة له، أو لطيفًا يحتاج إلى مزيد شرح.

والمعلوم أن المقصود بالحكم في البدل هو الثاني (أي البدل) والمبدل منه توطئة له، والغرض من البدل زيادة التقرير والإيضاح، ففيه نوع من التأكيد. هذا التأكيد يأتي منك ون البدل على نية تكرار العامل، ففيه ذكر الشيء مرتين.

وهذه الصورة من صور كمال التصال لها ضربان:

  • أن تنزل الجملة الثانية من الاولى منزلة بدل البعض من متبوعه، وذلك مثل قوله تعالى: “واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون. أمدكم بانعام وبنين. وجنات وعيون”، فجملة “أمدكم بما تعلمون” كافية لتأدية المعنى المراد، ولكن ما بعدها فيه تفصيل لذلك مما يزيد في التقرير، لذلك فصل بين الجملتين، مع كون الثانية بدل بعض من الأولى لأن النعم المذكورة إنما هي جزء مما يعلمون، “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها”.
  • أما الضرب الثاني فهو أن تنزل الثانية من الأولى منزلة بدل الاشتمال من متبوعه، وذلك مثل قوله تعالى: “قال ياقوم اتبعوا المرسلين. اتبعوا من لا يسألكم أجرًا وهم مهتدون”، فالمراد هو حمل المخاطبين على اتباع الرسل، والجملة الأولى “اتبعوا المرسلين” تؤدي هذا المعنى، ولكن الجملة الثانية “اتبعوا من…” فيها زيادة تقرير وحمل، وذلك لما فيها من علة تزيد من ترغيبهم في الاتباع، وهي انهم لا يخسرون معهم في الدنيا ولا في الآخرة، ففصلت الجملتان لما بينهما من تلك الرابطة القوية، ونزلت الثانية منزلة بدل اشتمال من الأولى لأنها تشمل الأولى، فمن لا يسأل أجرًا وهو مهتدٍ في نفس الوقت هم المرسلون كلهم، وتلك صفة معنوية لهم.

الصورة الثالثة

أن تنزل الجملة الثانية من الأولى منزلة عطف البيان من متبوعه، وذلك في إفادة الإيضاح، والمقتضي للفصل هنا التبيين لا زيادة التقرير كالبدل، وذلك مثل قوله تعالى: “فوسوس إليه الشيطان قال يا ىدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى”، ففصل جملة “فوسوس إليه الشيطان” عن الجملة الثانية “قال يا آدم…”، لأن الأولى فيه ا نوع من الخفاء جاءت الثانية ووضحته فبين الجملتين اتصال تام حيث أن الثانية تعد كعطف البيان للأولى، ففصلت الجملتان.

كمال الانقطاع بلا إيهام خلاف المقصود

وضابطه أن يكون بين الجملتين تباين تام ف الطرفيين أو في الإسناد ولا مانع من الفصل، وذلك على صورتين:

الصورة الأولى

أن يكون كمال الانقطاع يرجع إلى طرفي الإسناد وما يتعلق بهما، وذلك يتحقق بانتفاء المناسبة وكذلك الجامع بين الجملتين.

  • وذلك كانتفائه عن المسند إليه فيهما كقولنا زيد طويل عمرو قصير، فليس هناك جامع بين زيد وعمرو مثلًا من صداقة أو قرابة أو نحوهما.
  • أو انتفائه عن المسند فيهما، كقولنا زيد طويل وعمرو نائم، فلا مناسبة بين الطول والنوم، فتفصل الجملتان حتى لو كان هناك صلة قرابة بين زيد وعمرو.
  • ومن ذلك قول الشاعر أبي العتاهية:

وإنما المرء بأصغريه   كل امريء رهن بما لديه

فليس هناك مناسبة أو رابط بين الشطرين.

  • وننبه هنا إلى أنه لا يقصد بكمال الانقطاع فقدان الرابطة المعنوية والعلاقة الجامعة بين الجملتين، وإلا تفكك الكلام بحيث لا يكون فيه ارتباط يجمع بين أجزائه، وإنما المقصود بكمال الانقطاع انعدام المناسبة الخاصة التي تجعل عطف هذه الجملة على ما قبلها صحيحًا.

الصورة الثانية

أن يكون كمال الانقطاع لاختلاف الجملتين في الخبرية والإنشائية، لفظًا ومعنىً، أو معنىً فقط، وذلك له نوعان:

  • النوع الأول: أن يختلفا في اللفظ والمعنى، وذلك مثل قولنا: لا تدن من الأسد يأكلك، فالجملة الأولى “لا تدن من الأسد” نهي وهو من الإنشاء لفظًا والمقصود من الجملة النهي عن الاقتراب، فكذلك المعنى إنشائي، أما الجملة الثانية فهي خبر عن النتيجة التي قد تحصل وهي خبر في اللفظ للتعبير بالفعل المضارع دون إدخال لون من ألوان الإنشاء، والمقصود بها مجرد الإخبار فهي خبرية لفظًا ومعنىً فيجب فصلها عن الاولى لما بينهما من كمال انقطاع بلا إيهام، ومن ذلك قوله تعالى: “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن”.
  • النوع الثاني: أن يختلفا في الخبرية والإنشائية في المعنى فقط، وذلك كقوله تعالى: “خلق الله السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون”، فالجملة الأولى”خلق الله السماوات والأرض بالحق” خبرية لفظًا ومعنىً، والجملة الثانية “تعالى عما يشركون” خبرية في اللفظ ولكن معناها الدعاء وهو معنىً إنشائي، فاختلفت الجملتان في المعنى فالأولى خبرية المعنى والثانية إنشائية المعنى فوجب الفصل بينهما لكمال الانقطاع بلا إيهام.

شبه كمال الاتصال

وضابطه أن تثير الجملة الأولى سؤالًا تصلح الثانية لتكون جوابًا عليه، فيفصل بينهما كما يفصل بين السؤال والجواب، ويكون ذلك تشويقًا للسامع بإثارة السؤال، ثم الإجابة عن هذا السؤال فيتمكن المطلوب من نفسه، ويروي حب الاستطلاع لديه، ويغنيه عن هذا السؤال، وهو ما يعرف بالاستئناف البياني، وهو ثلاثة أضرب، تبعًا لنوع السؤال الذي تثيره الجملة الأولى، وذلك كالتالي:

الضرب الأول

السؤال عن سبب الحكم مطلقًا، فالمخاطب هنا خالي الذهن، فلا يؤكد الكلام له، وذلك مثل قول الشاعر:

قال لي كيف أنت؟ قلت عليل   سهر دائم وحزن طويل

فقد أثارت جملة “أنا عليل” سؤالًا وهو لماذا؟ أو ما سبب علتك؟ فجاءت الجملة الثانية جوابًا لهذا السؤال، ففصلت الجملتان، لشبه كمال الاتصال بينهما.

الضرب الثاني

السؤال عن سبب خاص للحكم، فالمخاطب يتصور نفي جميع الأسباب إلا سببًا واحدًا تردد في حصوله ونفيه، فيؤكد الكلام هنا بمؤكد دفعًا للتردد، وذلك مثل قوله تعالى: “وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء”، فكأنه قيل هل النفس أمارة بالسوء، فجاءت الثانية جوابًا لهذا السؤال، وأكدت بمؤكد واحد دفعًا للتردد.

الضرب الثالث

السؤال عن غير سبب الحكم العام الخاص، فالجملة الأولى تثير سؤالًا لكنه بعيد عن دلالتها، وذلك مثل قوله تعالى: “قالوا سلامًا قال سلام” فكأن سائلًا سأل: فماذا قال إبراهيم عليه السلام؟ وهو سؤال ليس له علاقة بمعنى الجملة الأولى، وهذا اللون يكثر في محاورات القرآن.

شبه كمال الانقطاع

وضابطه أن تسبق جملة بجملتين يصح عطف الثالثة على الأولى، لوجود المناسبة، ولا يصح عطفها على الثانية لفساد المعنى، فيترك العطف دفعًا لتوهم عطف الثالثة على الثانية، وذلك مثل قول الشاعر:

وتظن سلمى أنني أبغي بها   بدلًا أرها في الضلال تهيم

ففي البيت ثلاث جمل “تظن” و”أبغي” و”أراها”، وبين الثالثة والأولى مناسبة، لاتحاد المسندين فيها، لأن معنى “أراها” أظنها وكذلك المسند إليه المحبوب في الجملة الاولى والمحب في الثالثة، ولكنه مع ذلك ترك العطف، لئلا يتوهم عطف “أراها” على “أبغي”، فيكون مما تظنه سلمى أيضًا وهو غير مراد، ومنه أيضًا قول الشاعر:

    “يقولون” “إني أحمل الضيم عندهم”   “أعوذ بربي” أن يضام نظيري

اسباب الوصل بين الجمل

إن لم يكن بين الجملتين شيء من الأحوال الأربع تعين الوصل،ويتحقق الوصل في موضعين:

كمال الانقطاع مع إيهام خلاف المقصود

وهذا عند اختلاف الجملتين لفظًا وإنشاءً، ولو في المعنى فقط، وكان الفصل بينهما متعارضًا مع غرض المتلكم ويوهم خلاف المقصود، وذلك مثل مايحدث حين مر ابو بكر الصديق رضي الله عنه برجل في يده ثوب فقال له: تبيع هذا؟ فقال الرجل: لا يرحمك الله؟ فقال له سيدنا أبو بكر: لا تقل هكذا، قل: لا ويرحمك الله. فالجملة الأولى “لا” خبرية لفظًا ومعنىً، والثانية “يرحمك الله” خبرية لفظًا إنشائية معنىً، في معناها الدعاء، والفصل بينهما يفسد المعنى: حيث يظن السامع انك تدعو عليه في حين أنك تقصد الدعاء له، فوجب الوصل دفعًا لتوهم هذا الظن، وقد يدفع هذا الإيهام بطريق آخر غير الوصل، وهو السكت عند لا ثم إكمال الجملة بعد ذلك.

التوسط بين الكمالين مع وجود الجامع  

أي التوسط بين حالتي كمال الانقطاع وكمال الاتصال، فتعطف الجملة على الجملة إذا كانت الأولى ليس لها محل من الإعراب مع وجود مناسبة بينهما، وهو ما يعرف بالجامع، ولهذه الصورة ضربان:

الضرب الأول

أن يتفق الجملتان في الخبرية أو الإنشائية لفظًا ومعنى، وذلك مثل قوله تعالى: “إن الأبرار لفي نعيم. وإن الفجار لفي جحيم”، فقد وصل بين الجملتين لاتفاقهما في الخبرية لفظًا ومعنىً، مع وجود المناسبة بينهما وهي التقابل بين الأجزاء فيهما، وهذا التقابل متحقق عن طريق التضاد بين الصورتين، وكذلك قوله تعالى: “يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي”، فالمناسبة هنا هي الاتحاد بين المسند والمسند إليه فيهما.

الضرب الثاني

أن تتفق الجملتان في الخبرية أو الإنشائية في المعنى فقط، وذلك مثل قوله تعالى: “قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون”فالأولى خبرية في اللفظ والمعنى، والثانية إنشائية لفظًا خبرية في المعنى، فالمراد: إني أشهد الله وأشهدكم، مع وجود المناسبة وهي اتحاد المسند والمسند إليه في الجملتين، ولا يوجد مانع من العطف.

والجامع قد يكون عقليًا أي أن العقل يقتضي الجمع بين الأمرين، كقولنا محمد كاتب وعلي شاعر، فهمامتفقان في الحقيقة الإنسانية  وقد يكون وهميًا أي من تصور الوهم التقارب بين الطرفين، كقولنا: بياض الفضة يجمل وصفرة الذهب تسر، فالوهم يتصور أنهما مثلان ويعتبرهما نوعًا واحدًا، وقد يكون خياليًا أي يتعلق بالصور الخيالية، كقوله تعالى: “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت” فترتيب تلك الأشياء في القرآن جاء كما هو متصور عند العرب في الصحراء.

 

كان ذلك حديثنا اليوم عن الفصل والوصل كما ورد عند علماء البلاغة، وكان مصدر معلوماتنا في هذا المقال: كتاب بحوث في علم المعاني المؤلف بقلم العديد من أساتذتي الكرام، هم: الأستاذ الدكتور صباح دراز، والأستاذ الدكتور رفعت السوداني، والأستاذ الدكتور شعبان عيد، والأستاذ الدكتور وليد حمودة، مؤلف القسم الخاص بالفصل والوصل في هذا الكتاب، مدعومًا بالمحاضرات التي ألقاها علينا في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الشريف، نسأل الله تعالى أن يزيد في النفع به للإسلام والمسلمين، كما نسأل الله تعالى أن يعلمنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. تابعونا على موسوعة ليصلكم كل جديد، ودمتم في أمان الله.             

         

       

بحث عن الوصل والفصل

الوسوم

المزيد من المواضيع

اسماء الله الحسنى تهنئة عيد ميلاد صباح الخير اذاعة مدرسية شكر وتقدير دعاء ختم القران دعاء للمريض دعاء الصباح صلاة الاستخارة خاتمة بحث قصص اطفال نظام نور ولي الأمر تسجيل دخول اوزمبك صندوق البريد الرياض معنى سايكو فواكه بدون نقاط اسم محمد بالانجليزي خواطر جميلة رسوم تجديد الاستمارة كوكسيكام ابرة اوزمبك دريم ووتر ايات السكينه استقدام من الفلبين ابر اوزمبك اسامي قطط بسكوبان نظام نور ولي الأمر تسجيل دخول 1445 الامن والسلامة أقرب جهاز أبشر من موقعي مقدمة بحث الثقافة الملبسية نظام نور برقم الهوية 1445 هل ريتا مشروب طاقه حكم التشهد الأول والاخير الحروف الانجليزيه بحث عن التبرير والبرهان تجربتي مع حبوب فيروجلوبين موعد صلاة القيام تنزيل الدورة خلال ساعة تحاميل روفيناك نظام نور ولي الأمر مواعيد رحلات القطار جماد بحرف ذ بلاد بحرف و اساسيات الضوء جماد بحرف ن روفيناك تجربتي مع بخاخ افوجين حكمة قصيرة معناها جميل جداً اقرب مطعم من موقعي علم تسجيل الدخول مشروبات ستار باکس الباردة يوزرات انستا بارنز منيو هل يغفر الله ممارس العادة اسئلة محرجة 18 اسماء قطط ذكور شروط حافز همزة الوصل والقطع تخصصات الجامعة العربية المفتوحة برزنتيشن الأشهر الميلادية مقابل الهجرية الرمز البريدي الطائف أصحاب السبت متى يبدأ مفعول العصفر الوزغ في المنام بشارة خير سايكو معنى مواضيع برزنتيشن اسئلة مسابقات للكبار افضل كفرات صينيه اسماء بنات 2023 خاتمة تقرير ريلاكسون وقت صلاة القيام بلاد بحرف الواو الرمز البريدي الدمام فيروجلوبين معنى غبقة دوسباتالين ريتارد مخالفة قطع الاشارة تجربتي مع الميلاتونين فلاجيل 500 حبوب كوكسيكام رقم شيخ مفتي حبوب اومسيت روفيناك د