من كمال القرآن الكريم وإعجازه، هو أنه لم يترك لنا أي قضية مجتمعية إلا وقد تشملها، على الرغم من كون أن القرآن الكريم قد أنزل منذ مئات السنين، والآن سنتحدث عن بعض الصفات المذمومة التي من شأنها إفساد هدوء أي مجتمع وتعكير صفائه.
وهي صفات الهمز واللمز، وهذه هي أبرز الصفات التي ذمها الله تعالى في سورة الهمزة، حيث إن المقصد بالهمز هو قيام الشخص بالحديث عن شخص آخر بما فيه من عيوب في غيابه، بغض النظر عن كون هذه العيوب متواجدة في الشخص المغتاب أم لا.
بينما اللمز هو عبارة عن قيام شخص ما بمعايرة شخص آخر، علاوة عن قيامه بوصفه بأقذر الألفاظ والصفات غير المستحبة، والتي يكرهها الشخص المتلقي للحديث، وقد بدأ الله تعالى حديثه بالتوعد لكل من يمتلك ويقوم بفعل هاتين الصفتين، حيث قال “وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ”.
سبب نزول سورة الهمزة
كان من ضمن أوامر الله -عز وجل- حينما نزل القرآن علي حبيبنا المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، هو حثنا على التفكر والتدبر في الآيات ومعانيها، ولعل هذا هو السبب في كون أن رسول الله صل الله عليه وسلم لم يقم بتفسير القرآن الكريم كله لنا، وإنما قد ترك أجزاء منه دون تفسير، كي يفتح لنا باب التفكر والاجتهاد.
وبناء على هذا فقد اختلف الفقهاء في سبب نزولها، فقيل بأنها نزلت في الأخنس بن شريق، وهذا نظرا لكون أنه كان يهمز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويصفه بأنه مقطوع النسب.
بينما اتجه البعض الآخر إلى القول بأنها نزلت في الوليد بن المغيرة، وهذا بسبب قيامه بوصف أشرف خلق الله دائما بالكثير من الصفات المذمومة والسيئة في غيابه وحضوره، وقد قال البعض بأنها نزلت في أمية بن خلف.
وعلى الرغم من كون أنه يتواجد اختلاف فيما بين الفقهاء حول سبب نزولها، إلا أن المقصد يظل واحدا مهما اختلفت الأشخاص، فوفقا لكلام الله تعالى في آياته المحكمة، فإن الإنسان سيحاسب على أعماله وأقواله مهما كان في دنياه، ومهما ملك من مال وسلطة.
شملت سورة الهمزة العديد من الصفات التي ذمها الله تعالي في كتابه الكريم، وقد نهانا رسول الله صل الله عليه وسلم عن فعلها أو تكون فينا، وهذه الصفات بخلاف الهمز واللمز التي قد سبق وذكرناهم.
فقد ذم الله تعالى صفتي الغيبة والنميمة، أي ذكر شخص ما في غيابه بما لا يحب.
بالإضافة إلى ذم التقليل من احترام الآخرين ومكانتهم، سواء كان في حضورهم أو غيابهم.
كما أن الله تعالى قد ذم صفة الكبر والغرور، فقد قال رسول الله صل الله عليه سلم بأنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرة من كبر.
علاوة عن ذم صفة جمع الأموال، وليس القصد هو جمع المال أي ادخاره، وإنما القصد هو كنز المال، وعدم إنفاقه في غير مكانه أو في الشر.
زيادة عن ذم المهتمين بالحياة الدنيا دون الآخرة.
سبب تسمية سورة الهمزة بهذا الاسم
يعود السبب في تسمية سورة الهمزة بهذا الاسم، إلى المشكلة التي تهدف إلى حلها، وهي مشكلة ذكر الآخرين بالصفات المذمومة سواء في حضورهم أو غيابهم، ولهذا فقد اشتق الاسم من فعل الهمز.
وقد بدأ الله حديثه بالتوعد للهمازين واللامزين بأن مكانهم في جنهم وبئس المصير، فقد روي معاذ بن جبل -رضي الله عنه وأرضاه- عن رسول الله قائلا “وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم” أي أن أقوالنا قد تكون سبباً في دخولنا لنار الآخرة.
ولهذا، فيجب علينا توخي الحذر من أن تتواجد لدنيا أحد هاتين الصفتين، فمن شأنهم إيقاعنا في الفتنة، ويكون مثوانا النار، حفظني الله وإياكم.