رغّبنا الله- تبارك وتعالى- في الدعاء كثيراً، حتى أن المولى- عز وجل- يغضب من تارك الدعاء، لما لها من دليل على الإيمان، وفضل عظيم، ومكانة عند الله- تعالى-، كما حثنا رسولنا الكريم- ﷺ- على الإلحاح على الله في الدعاء، وعدم الاقتصار على الدعاء مرة واحدة فقط، ولكن على الاستمرار في الدعاء، والطلب ما نشاء من الله- ما دام الدعاء فيما أحل الله له، كما فسر العلماء الإلحاح بأنه الإقبال على الشيء، والمواظبة عليه، وكذلك الإلحاح في الدعاء، فهو المواظبة على الدعاء والتكرار مرة وثانية وثالثة، وكل ذلك من سنن المصطفى- ﷺ- فقد كان يدعو الله- تبارك وتعالى- ويكرر الدعاء عدداً وترياً، وأقلهم ثلاث مرات.
إذا قام الداعي بالإتيان بكل شروط وضوابط الدعاء واستمر عليه، فإن ثمرة هذا الدعاء ستكون أكيدة بإذن الله، فسينال الخير مقابل هذا الدعاء، ويفوز بما كان يدعو به، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلِمٍ يَدعو ، ليسَ بإثمٍ و لا بِقطيعةِ رَحِمٍ إلَّا أَعطَاه إِحدَى ثلاثٍ : إمَّا أن يُعَجِّلَ لهُ دَعوَتَهُ ، و إمَّا أن يَدَّخِرَها لهُ في الآخرةِ ، و إمَّا أن يَدْفَعَ عنهُ من السُّوءِ مِثْلَها قال : إذًا نُكثِرَ ، قالَ : اللهُ أَكثَرُ) (حديث صحيح)، وفي هذا أكبر دليل على أن دعاء المسلم له عند الله- تعالى- أهمية، وأنه- تبارك وتعالى- لن يرد دعاءه هباءً أبداً، وإن طال الوقت.
بالتأكيد، فمع العودة للحديث السابق، نجد أن من دلائل استجابة الدعاء وتحققه، أن الله- تبارك وتعالى- يدفع عن الداعي سوءً كان مكتوباً له، لذلك لا تنفك يوماً عن الدعاء، فهو المأمن، وهو أول العبادات التي عرفها بنو البشر كلهم، فما كانت الصلاة في سابق الأزمان إلا بالدعاء، وحتى الآن فصلاتنا وقراءتنا لسورة الفاتحة في ذاتها فهي دعاء بحد ذاتها، دعاء لله بأن يهدينا جميعاً الصراط المستقيم، ولا يجعلنا مع الذين ضلوا السبيل أو الذي غضب الله عليهم.
لا توجد نصوص شرعية تتحدث عن علامات استجابة الدعاء، ولكن ما ذكره العلماء في كتبهم هو نتاج تجارب الصالحين، ولكن على المؤمن أن يقوم على الدعاء لله، وفي داخله إيمان ويقين بأن الله- جل جلاله- سيستجيب له آجلاً أو عاجلاً، ومن العلامات التي ذكرها العلماء تدل على استجابة الدعاء ما يلي.
هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى استجابة الدعاء- إن شاء الله-، والتي يعدها البعض شروط لصحة الدعاء، ومن بين تلك الشروط ما يلي.
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ) (حديث صحيح)، فالله هو الوحيد الذي يحق لنا الدعاء له، وهو القادر على تحقيق دعائنا مهما كان يبدو لنا صعباً، ولا يوجد مخلوق يشارك المولى- عز وجل- في ذلك.
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- ﷺ-: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ قيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ما الاسْتِعْجَالُ؟ قالَ: يقولُ: قدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذلكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) (حديث صحيح)، فليس بهذا من أدب مع الله- تبارك وتعالى- فعلينا ألا ننسى أننا مخلوقاته، وبين يديه أمورنا كلنا، فالاستعجال أو التحسر، والإسراع بالحكم بأن الدعاء لم يستجاب، ففي هذا إثم عظيم، فنحن لا نعلم إن كان الله قد استجاب دعائنا أم لا، وإن استجابه لنا، فلا نعرف كيف سيثيبنا بهذا الدعاء، لذلك ليس لنا إلا الدعاء، والله -بإذنه فقط- مجيباً له.
فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حديث قدسي عن المولى- عز وجل-: (يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.) (حديث صحيح)، ولكن السؤال هل من مسلم عاقل قد قرأ قوله الله- تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (سورة البقرة الآية 186)
فهل بعد هذه الآية من دليل على أن الدعاء مستجاب مهما كان، ولكن ما يجعل الإنسان يتسرع في تحقيق دعائه هو جهله بكيفية تحقيقه، ولكن علينا جميعاً أن نكون على يقين بات، بأن دعاؤنا مستجاب، وأن الله يخبئ لنا كل خير.