تفسير سورة الناس

محمد عبد العال 6 نوفمبر، 2022

تفسير سورة الناس

تعد سورة الناس واحدة من السور القصار، وإحدى المعوذتين، وهي السورة المكية الأخيرة في القرآن الكريم، واليت يبلغ عدد آياتها 6 آيات، وتقع في الترتيب الأخير كما ذكرنا لسور القرآن الكريم، وهي السورة رقم 114 في الجزء الثلاثين، وقد نزلت بعد سورة الفلق، وفيما يلي سنحاول عرض تفسير كل آية على حدة كما وردت في كتب التفسير.

الآية الأولى

يذكر القرطبي في تفسيره أن في قوله- تعالى-: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) تأتي بمعنى أن الله هو مالكهم ومصلح أمورهم، وإنما جاء ذكر رب الناس هنا، وقد تم تخصيص الربانية للناس فقط في تلك الآية، وهو يحمل في معناه الربانية لكل المخلوقات، وذلك يرجع لسببين، وهما كما يلي.

  • كون الناس هم المعظمون في تلك الأرض، فعلى ذلك فالله هو رب هؤلاء العظماء على كل ما لديهم من عظيم شأن.
  • كونه أمر بالاستعاذة من شر الناس، فهو يحمل معنى التذكير بأن الله هو الذي يعيذ المستعيذ من شر الناس.

الآية الثانية

في قوله- تبارك وتعالى-: (مَلِكِ النَّاسِ) ففي تفسير القرطبي أن ملك الناس هو إله لكل الناس، كون الناس قد جعلوا فيما بينهم ملوكاً، فيذكر الله- تبارك وتعالى- بأنه هو ملك كل هؤلاء الناس، وعلى هذا فمنهم من يعبد غيره، فيذكر الله خلقه بأنه إلههم ومعبودهم، وأن الله هو الذي يجب أن يتم اللجوء إليه والاستعاذة به، وذلك دون الملوك والعظماء.

الآية الثالثة

أما فيما يتعلق بتفسير قوله- تبارك وتعالى-: (إِلَٰهِ النَّاسِ) فيذكر القرطبي في تفسيره، أنه كما ذكرنا سابقاً قد جعل الناس أناساً منهم ملوكاً عليهم، فجاء المولى- تبارك وتعالى- ليذكر كل الناس أنه هو ملكهم، وعلى ذلك ففي الناس ما يزال يشرك بالملك ويكفر به، فيذكر الله أنه الملك الإله الأوحد والمعبود الأوحد، وأنه الذي يتم اللجوء إليه دون أي من الملوك والعظماء.

الآية الرابعة

قد عرض القرطبي في تفسيره للآية الرابعة من سورة الناس في قوله- جل في علاه-: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)، والآية هي استكمالاً للاستعاذة، وهي الاستعاذة بالله من شر الوسواس الخناس، وهو المقصود به شر الشيطان، وقيل في تفسير الوسواس الخناس الكثير من التفاسير، والتي ذكرها القرطبي في تفسيره أيضاً، والتي من بينها ما يلي.

  • المقصود به هو الشيطان نفسه، وهو الذي يقوم بالوسوسة، وكلمة الوسوسة هنا تعني حديث النفس.
  • قيل أن الوسواس الخناس هو ابن إبليس، وهو الذي يعمل على الوسوسة لبني آدم أجمعين، كلما ابتعدوا عن ذكر الله- جل جلاله- وهو يسكن في منطقة قرب القلب في الصدر، وهذا الرأي أرجعه القرطبي للترمذي، ولكن لا يعتقد فيه القرطبي.
  • أما الوصف بالخناس كونه كثير الاختفاء، ويأتي على شاكلتها من ذات اللفظة قوله- جل جلاله-: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) (سورة التكوير الآية: 15) فهذا دليل على اختفائها بعد ظهوريها.
  • قيل أيضاً كلمة الخناس كونه يخنس إذا ذكر العبد الله- يتأخر- أي أن الشيطان موجود جاثم على قلب ابن آدم، فإذا غفل قلبه وسوس له، وإذا ذكر الله اختفى وتأخر وأقصر.
  • كما ذكر ابن جبير عن ابن عباس أن الوسواس الخناس فيها وجهين، وكونه يرجع للوسوسة عن الهدى، أو أنه الخارج بالوسوسة من اليقين.

الآية الخامسة

يذكر الله- جل جلاله- في سورة الناس قوله- تعالى-: (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) وقد أورد القرطبي في تفسير الآية الكريمة قول مقاتل: إن الشيطان في صورة خنزير، ويجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، وذلك استناداً إلى قول أم المؤمنين صفية- رضي الله عنها- قالت:

  • (نَّهَا جَاءَتْ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَزُورُهُ وهو مُعْتَكِفٌ في المَسْجِدِ، في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ معهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى إذَا بَلَغَ قَرِيبًا مِن بَابِ المَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، مَرَّ بهِما رَجُلَانِ مِنَ الأنْصَارِ، فَسَلَّما علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ نَفَذَا، فَقالَ لهما رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: علَى رِسْلِكُمَا، قالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ! وكَبُرَ عليهما ذلكَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وإنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُما شيئًا) (صحيح البخاري)

الآية السادسة

قد اختتم المولى- تبارك وتعالى- سورة الناس والقرآن الكريم كاملاً بقوله: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)، وقد ذكر القرطبي في تفسيره للآية أن الموسوس قد يكون أحداً من الناس، وليس فقط من الشيطان، وعلى ذلك كان رأياً للحسن- رضي الله عنه- بأنه شيطانان، فشيطان الجن يوسوس في صدور الناس، أما شيطان الإنس فيأتي يوسوس للناس علانية.

  • كما يذكر القرطبي رأياً آخر بأن تأويل الناس في الآية الكريمة هم الجماعة من الجن، وقد تمت تسميتهم ناساً كما تمت تسميتهم رجلاً، وذلك في قوله- تعالى-: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) (سورة الجن الآية: 6)
  • وقيل إن إبليس يوسوس في صدور الجن كما يوسوس في صدور الناس، وعلى هذا يكون في صدور الناس على الإطلاق في العالمين الإنس والجن.
  • وعلى هذا يروي أبو هريرة- رضي الله عنه- قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتي عَمَّا حَدَّثَتْ به أَنْفُسَهَا، ما لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تَكَلَّمْ بهِ) (صحيح مسلم) فالله- تعالى- وحده أعلم بالمقصود من ذلك.

سبب نزول سورة الناس

عرض المفسرون أن المعوذتين قد نزلتا بسبب أن لبيد بن الأعصم قد قام بسحر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وعلى الرغم من أن قصة لبيد قد ذكرت في كتب السنة، ولكن لم يتم ربطها بنزول المعوذتين، وفي سبب نزولهما تعددت الأقوال، فكانت كما يلي.

  • قيل أن السبب في نزل المعوذتين (سورة الفلق وسورة الناس) بأن قريش قد ندبوا رجلاً اشتهر فيما بينهم بالحسد، ودلوه بأن يصيب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الحسد، فنزلت المعوذتان حتى يتعوذ منهم بهما.

فضل قراءة المعوذتين سورة الناس وسورة الفلق

لقد ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكثير من الأحاديث التي توضح فضل المعوذتين، والتي من بينها ما يلي.

آيات المعوذتين أفضل الآيات

قراءة المعوذتين واحدة من الأمور التي قد أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بها بعض صحابته- رضي الله عنهم-، وعلى وجه الخصوص بعد كل صلاة، وكما جاء في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنهن أفضل الآيات، وذلك الذي رواه عقبة بن عامر- رضي الله عنه-: (قالَ لي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أُنْزِلَ، أَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ، المُعَوِّذَتَيْنِ) (صحيح مسلم)

الوقاية من الشرور

قراسة المعوذتين تكفيان قرئهما من كل شر، ولذلك فقد قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بنقلها لبعض صحابته- رضي الله عنهم-، وذلك عندما سئل ماذا يقولون ليكفوا، وذلك في الحديث الذي رواه عبد الله بن خبيب- رضي الله عنه- قال: (خَرَجْنا في ليلةِ مَطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نَطْلُبُ رسولَ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -، فأَدْرَكْناهُ، فقال : قُلْ، قلتُ : ما أقولُ ؟ ! قال : { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } ؛ والمَعُوذَتَيْنِ، حين تُصْبِحُ وحين تُمْسِي ثلاثَ مراتٍ ؛ تَكْفِيكَ من كلِّ شيءٍ) (حسن صحيح)

الاستشفاء بقراءة المعوذتين

قراءة المعوذتين فيه شفاء لمن يريد أن يستشفي بهما، وذلك للحديث الذي روته لنا أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- عندما قالت: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عليه، وَأَمْسَحُ عنْه بيَدِهِ، رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. وفي روايةٍ : أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى نَفَثَ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عنْه بيَدِهِ) (صحيح مسلم)

تفسير سورة الناس