معنى آية (واجعله ربي رضيا) التي وردت في سورة مريم التي تعد من أبرز السور المكية وتقع في الترتيب التاسع عشر في القرآن الكريم، وقد أطلق عليها هذا الاسم نسبةً إلى السيدة مريم أم سيدنا عيسى عليه السلام.
والجدير بالذكر أن عدد آيات هذه السورة 98 آية، وقد ذكر الله جزء من قصة السيدة مريم بدءًا من الآية السادسة عشر، وتبدأ السورة بقصة سيدنا ذكريا عليه السلام.
” ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)“
“سورة مريم، الآيات من 2 إلى 6”.
قبل البدء في شرح تفسير تلك الآية علينا أولاً أن نبدأ بشرح الآية التي سبقتها من أجل فهم السياق التي وردت فيه، وذلك في التالي ذكره:
قد أستجاب الله ” الرحيم، الجبار لقلوب عباده” وزرقه ولدًا صالحًا أسماه ” يحيي” ونعلم ذلك في الآية الكريمة التالي:
“يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)“
” سورة مريم، من الآية 7 إلى 12″.
نوضح تفسير كل آية من الآيات السابقة على حدا في النقاط التالية:
“يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7)“
” سورة مريم، الآية: 7″.
تعني تلك الآية أن الله ” عز وجل” يقول لسيدنا زكريا إنا نبشرك بهبه منا وهي غلام اسمه يحيي، وأكد الإمام قتادة أن الله ” سبحانه وتعالى” اختار اسم يحيي لإحيائه إياه بالإيمان والتقوى.
“قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)“
” سورة مريم، الآية 8″.
معنى الآية السابقة أن نبي الله زكريا ” عليه السلام” عندما أوحى إليه ربه بأنه استجاب له وسيرزقه غلام اسمه يحيي، قال كيف يكون لي غلام وامرأتي لا تحمل وذلك لكونها عاقر لبلوغها سن الكبر، وأنا ضعيف الجسد على أن أباضع زوجتي، وهذا ليس تنكيرًا لأمر الله “سبحانه وتعالى” والعياذ بالله”.
إنما كان رغبة سيدنا زكريا في التأكد من النداء الذي سمعه عن سيدنا جبرئيل، حيث إنه وبعد أن سمع سيدنا زكريا ذلك النداء أراد الشيطان ” نعوذ بالله من الشيطان الرجيم” الوسوسة لسيدنا زكريا، وقال له أن النداء الذي سمعه ما هو إلا وسوسه من الشيطان ” والعياذ بالله” لذا شك النبي زكريا في الأمر، وأراد التأكد من الله “عز وجل” لذا قال من أين يكون لي غلام وأنا رجل كبير لا أستطيع مضاجعة زوجتي وزوجتي عاقر لا تتمكن من الحمل و الولادة.
” قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)“.
” سورة مريم، الآية 9″.
لذا قال الله ” سبحانه وتعالى” لسيدنا زكريا ” عليه السلام” أن أمره ووعده سينفذ حتى وإن كان سيدنا زكريا كبير في السن ولا يقوى جسمه على شيء، وامرأته عاقر لا تتمكن من الحمل، وذلك لكونه عليه ” سبحانه وتعالى” هين، ويؤكد الله ” عز وجل” في الآية الكريمة قوله بقول “وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا“ومعناها أنه ” عز وجل” قد خلق النبي من قبل أن يخلق أبنه ولم يكن شيئًا في الأرض أو في السماء، فهو القادر “سبحانه وتعالى” على كل شيء، ما من شيء في الأرض أو في السماء خارج عن أرادته ورغبته ” سبحانه وتعالى”.
“قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)”
” سورة مريم، الآية 10″.
فطلب النبي زكريا ” عليه السلام” رغبة منه من التأكد من وعد الله ” عز وجل” أن يجعل له آية في الأرض تكون برهانًا له بأن الوحي المُوحى له منه ” سبحانه وتعالى”، فاستجاب الله ” عز وجل” له وقال أن آيتك ألا تكلم الناس وأن سليم لا يوجد بك أي علة تمنك من التحدث ولمدة ثلاث أيام متتالية.
“فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)“.
” سورة مريم، الآية 11″.
يقول الله ” عز وجل” أن نبيه زكريا ” عليه السلام” قدر خرج للناس لا يتكلم تنفيذًا لأمره “سبحانه وتعالى” وقد أمرهم بذكر الله في الصباح والمساء، وقد أختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال أن الذكر المذكور في الآية الكرية هو التسبيح، والتكبير وغيرها من كلمات ذكر الله ” سبحانه وتعالى” ومنهم من قال أن الذكر الذكور في الآية الكريمة هو الصلاة، فقد أمر النبي الكريم زكريا ” عليه السلام” قومه بالصلاة في هذان الوقتان.
“ يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)“
” سورة مريم، الآية 12″.
يقول الله ” سبحانه وتعالى” في تلك الآية الكريم أنه قد وهب لنبيه زكريا ” عليه السلام” ولده يحيي، أمره بأن يأخذ الكتاب ” وهو كتاب التوراة الذي أنزله الله ” سبحانه وتعالى” على نبيه موسى ” عليه السلام ” من قبل” بقوة أي باجتهاد وجد.
أكد علماء الدين أن تفسير الآية الكريمة “يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ” هو أن نبي الله زكريا يطلب منه ” سبحانه وتعالى” أن يرزقه غلامًا يرث ألأمواله من بعده والنبوة من آل يعقوب، وذلك لأن نبي الله ” عز وجل” زكريا تزوج من أخت السيدة مريم العذراء “رضي الله عنها وأرضاها” والتي يرجع أصلها إلى سلالة نبي الله ” سبحانه وتعالى” يعقوب” عليه السلام”.
تعني كلمة راضيًا المذكورة في الآية الكريمة “ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)” مرضيًا ومحبًا.
معنى قول نبي الله زكريا ” عليه السلام” من لدنك وليا؟ هو أنه يسأل الله ” سبحانه وتعالى” أن يرزقه من عنده ولدًا وارثًا.
أختلف علماء الدين في تفسير تعجب نبي الله زكريا من بشرته بالغلام، فمنهم من قال أنه كان مستبعد لهذا الرزق العظيم لكونه عاجز وامرأته عاقرًا، ومنهم من قال أن كان متعجب من قدرة الله ” سبحانه وتعالى” على كل شيء.
أكد الأمام البغوي أن نبي الله زكريا لم يشكك في وعد الله له بأن يرزقه ولدًا، إنما كان يشكك في كيفية ذلك.