يقول الله تعالى في كتابه العزيز (كذلك وأورثناها بني إسرائيل){59-الشعراء}، فما تفسير تلك الآية كما وردت في كتب علماء التفسير المختلفة؟ وهل حقًا ورث بنو إسرائيل كنوز آل فرعون وما تركوه من جنات ونعيم، أم أن الذي ورثها هم قوم آخرون؟ وكيف نوفق هذه الآية مع قوله تعالى: (كذلك وأورثناها قومًا آخرين){28-الدخان}؟ تعرف مع الموسوعة العربية الشاملة على ما معنى كذلك وأورثناها بني إسرائيل إن شاء الله تعالى وعلى هذه الأسئلة التي طرحت نفسها على المفسرين لتعرف كيف أجابوا عليها.
يقول ابن كثير في تفسيره أن قوله تعالى كذلك وأورثناها بني إسرائيل هو كقوله تعالى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون){137-الأعراف}، وقال تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون){6،5 القصص}.
قال القرطبي أن المراد من قوله تعالى هو أن الجنات والعيون والكنوز والمقام والكريم أورثه الله بني إسرائيل، حيث رجع بنو إسرائيل إلى مصر بعد هلاك فرعون، وقيل الوراثة هي وراثة ما استعاروه من حلي آل فرعون بأمر الله تعالى.
أي وأورثنا الجنات والكنوز والمقام الكريم التي أخرجنا منها آل فرعون بني إسرائيل.
أي أعطينا بني إسرائيل خيرات مثلها لم تكن لهم وليس المراد أنه أعطى بني إسرائيل ما كان بيد فرعون، لأن بني إسرائيل قد فارقوا مصر ولم يرجعوا إليها بدليل قوله تعالى: (كذلك وأورثناها قومًا آخرين){28-الدخان}، ونحن نرى أن هذا هو الراي الصحيح، والله أعلم.
هناك إشكالان في تفسير قوله تعالى: (كذلك وأورثناها بني إسرائيل)، وهما:
أن الله تعالى ذكر في القرآن أن بني إسرائيل قد ظلوا في التيه أربعين سنة بعد رفضهم الذهاب إلى الأرض المقدسة، فمتى ورثوا مصر؟ إذا كان هذا هو المعنى.
أن الله تعالى ذكر في سورة الدخان أنه أورث أرض مصر بعد هلاك آل فرعون قومًا آخرين، فكيف نخرج من هذه الإشكالية.
وإليكم محاولة حل الإشكالية:
ذكر بعض المجتهدين أقوالًا منها:
يقول الله تعالى فيلا سورة الدخان:(كذلك وأورثناها قومًا آخرين){28-الدخان}، ذكر معظم المفسرين أن المراد من القوم الآخرين هم بنو إسرائيل، وقال البعض أنهم قوم آخرون.
يمكن أن نحاول ذكر خلاصة الآراء في قوله تعالى (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) في ما يلي:
الرأي الثاني: أنهم ورثوا مصر في حكم سيدنا سليمان.
الرأي الثالث: أنهم ورثوا ملكًا آخر كملك مصر.
والرأيان الأخيران لا تعارض بينهما، فيمكن أن يكونوا قد ورثوا ملكًا كملك مصر ثم ورثوا بعد ذلك ملك مصر في أيام نبي الله سليمان عليه السلام، وهذا هو الرأي الذي نرتاح له، لأنه يتفق مع وقائع التاريخ ومع تأويلات آيات أخرى في القرآن الكريم، وهي التيه والمرور على الوثنيين فلم يكن هناك ملك لمصر من بني إسرائيل في ذلك الوقت.
الرأي الأول: أنهم بنو إسرائيل، وهذا يتفق مع المعنى الذي ذكرنا أنه الراجح، ويمكن توفيق المعنى وتعليل التعبير القرآني عن بني إسرائيل بالقوم الآخرين أن بني إسرائيل قد مروا بعدة اختبارات مع نبي الله موسى عليه السلام ولكن أغلبهم فشل فيها، فلما تغير بنو إسرائيل من حال فسادهم إلى حال صلاحهم أيام نبي الله سليمان صاروا كأنهم قومًا آخرين صالحين، فأورثهم الله تعالى ملك مصر، أو ورثها قوم آخرون ثم بنو إسرائيل.
الرأي الثاني: أن المراد بالقوم الآخرين قومًا غير بني إسرائيل قد ورثوا مصر بعد هلاك فرعون مباشرةً، وليس بني إسرائيل.
وما تطمئن النفس إليه هو القول القائل بأن بني إسرائيل لم يرثوا مصر مباشرةً بعد هلاك فرعون، وإنما ورثها قوم آخرون فترةً من الزمن ثم ورثها بنو إسرائيل لما صاروا قومًا صالحين أيام نبي الله سليمان لأنه كان ممن ملك الدنيا، كان هذا اجتهادنا و محاولتنا ومن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، نسأل الله تعالى أن يعلمنا وأن ينفعنا بما علمنا.
تابعونا على الموسوعة ليصلكم كل جديد.
مصادر:
تفسير الطبري.
تفسير ابن كثير.
تفسير القرطبي.
تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور.