قصة نوح عليه السلام كاملة هي من القصص المشوقة والجميلة التي بها يتيقن المسلم من أن الله يساند الحق ويحمي المؤمنين المُخلصين، إذ يُعد سيدنا نوح عليه السلام أول نبي أرسله الله إلى الأرض لما كان عليه من صلاح وتقوى وإيمان حتى قبل أن يعلم بأن الله اصطفاه على سائر العالمين لكي يحمل رسالته ودعوته إلى الناس أجمعين، وكذا فنجد سيدنا نوح لم يعبد الأصنام قط، لذا فقد اختاره الله لإنه لم يدق باب الشرك ولا عبادة الأصنام، فما هي قصته، وماذا عن سفينته الشهيرة، وحكايته مع ابنه الوحيد، تسرد لكم موسوعة تفاصيل تلك القصة الإيمانية من خلال هذا المقال، تابعونا.
قصة نوح عليه السلام كاملة
اختار الله تعالى سيدنا نوح عليه السلام لكي يدعو قومه إلى عبادة الله الواحد الأحد دون غيره.
وبدأ مشواره في الدعوة إلى الله تعالى وقد وصف الله هذه القصة في سورة نوح في القرآن الكريم” إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم، قال يا قوم إني لكم نذير مبين، أن اعبدوا الله واتقوه أوطيعون”.
وبدأ رحلته في دعوة قومة لعبادة الله تعالى، هكذا بدأت قصة سيدنا نوح فإلى أي بر رست سفينه دعوة نوح، نتعرف على تلك الأحداث في السطور الآتية.
قصة سيدنا نوح عليه السلام مع قومه
بدأت قصة قوم سيدنا نوح مع عبادة الأصنام حينما مات رجال صالحين منهم، فقام أحدهم ببناء تماثيل لهم تخليدًا لذكراهم، وظلت تلك التماثيل فترة لا يعبدها أحد.
ولكن مع تعاقب الأجيال وانتشار الجهل، قرر القوم عبادة تلك التماثيل، ولذلك أرسل الله لهم سيدنا نوح لينهاهم عن كفرهم بالله.
كان سيدنا نوح عليه السلام يذهب إليهم ليلاً ونهاراً لكي يدعوهم لترك عبادة أصنام هم من صنعوها، وعبادة الله الواحد الأحد.
وكان يطرح عليهم أسئلة من شأنها أن تُحرك العقول والقلوب وهي التي تتساءل عن كيفية عبادة أصنام لا ترى ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع، وكيف أن الله تعالى هو الذي رفع الجبال والسماء بلا أعمدة.
وكان يُعدد نعم الله التي وهبها لهم، فلقد خلقهم في أحسن تقويم، وميزهم عن سائر المخلوقات بالعقل للتفكير والتدبير.
ولكنهم كانوا يرفعون ثيابهم لكي يغطون آذانهم، وأخذوا يستهزئون ويسخرون من سيدنا نوح عليه السلام، بل وأجابوا عليه بأن دعوته هي التي تساوي بين الأغنياء والفقراء، ولم يؤمن به إلا من هم أقل مرتبة ومنزلة بين عليه القوم، فكيف يؤمنون بدعوته.
واشترط عليه أغنياء قومه باستبعاد الفقراء منهم من الذين آمنوا بالله، مقابل تصديق دعوته وعبادة الله وحده، إلا أن أن سيدنا نوح أجابهم بعدم قدرته على فعل ذلك، فليس هناك فرقًا بين الأغنياء والفقراء، وليس ذنب الفقراء أنهم خُلقوا وعاشوا فقراء.
حينها رفض قومه الاستماع إليه، وأمروه بعدم المحاولة معه مرة ثانية.
مثابرة نوح في دعوته لقومه
وكذا فنجد أن دعوته استمرت فترة طويلة ظل يُكافح من أجل نشر دعوة الله، إذ أنه عاش تسعمئة وخمسين عاماً.
وذلك أكبر دليل على أنه كان مثابراً يأبى أن يترك قومه على كفرهم، ولكنه عندما ايقن أن قومه لم يلبوا الدعوة ولن يهتدوا دعا الله قائلاً ” وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا”.
بناء سفينه نوح
فأمر الله تعالى سيدنا نوح أن يبنى سفينه كبيرة إذ أنه كان يعمل في مهنه النجارة، وقام بصناعة تلك السفينة من أخشاب الأشجار.
وكان بناء السفينة من الأشجار بوحي من الله تعالى، فلم يكن سيدنا نوح يعرف يصنعها، فكان يثبت ألواح الأخشاب بالمسامير بعدما يضعها بجانب بعضها البعض.
وبدأ في بناء سفينته الكبيرة وأخذ القوم يستهزئون بما يصنع وهم لا يعلمون أن الهلاك قادماً لا مفر منه، فهذا أمر من ربه.
وما جعل قومه يستهزأ بفعله هو عدم وجود نهر أو بحر يمكن أن تسير فيه السفينة.
ولكن سيدنا نوح لم يكن يلتفت لاستهزائهم، وأخذ يبني تلك السفينة بمحبه وصبر على المشقة والتعب الذي لاقاه.
وكان هناك اختلاف بين العلماء في المدة التي استغرقها سيدنا نوح في بناء السفينة، وشكلها وحجمها وعدد الكائنات التي حُملت عليها، ولكن ما تم الاتفاق عليه هو ضخامة حجم تلك السفينة.
وعندما تهيأت السفينة أمر الله تعالى سيدنا نوح أن يجمع كل من آمن به، فضلاً عن أنواع مختلفة من الطيور والحيوانات ذكوراً وإناثاً، حيث يجمع زوجًا من كل نوع حتى تُعمر الأرض بعدما يُهلك الله الظالمين.
وكذلك أمره الله بجمع كل ما يستطيع من طعام وشراب وفاكهة وحبوب.
قصة سيدنا نوح وابنه
وفي حين قام سيدنا نوح بجمع تلك الكائنات دعا ابنه إلى الركوب معه على متن السفينة ولكنه أبى، وعصى قائلاً أنه سيتخذ من الجبل عاصماً له من الطوفان، وأصر ابنه على عصيانه رغم أن أبيه أخبره بأن لن ينجو من العذاب سوى من ركب في السفينة.
وقد جسد الله تلك الحادثة في القرآن الكريم في سورة هود” وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ”.
ولم يكن الابن فقط من كفر بدعوة والده، بل كفرت أيضًا زوجته بما دعا واتهمته بأنه أصابه الجنون وأعانت قومه عليه.
ثم أغلق نوح عليه السلام السفينة بعدما امتلأت، وكل ذلك بأوامر من الله عز وجل.
فقد أهلك الله ابن سيدنا نوح مع القوم الكافرين في الطوفان، فقد أمر الله الأرض أن تفيض بالماء والسماء أن تتساقط أمطاراً، إذ جاءت موجه كبيرة من الطوفان وباعدت بين الابن وسيدنا نوح، وابتلع الماء الجميع، وظلت السفينة تسير وسط الماء عدة أيام مدفوعة بالرياح، وغطى الطوفان كل ما على الأرض من جبال ومرتفعات، وقضى على كل الكائنات الحية عليها من إنسان وحيوانات وطيور.
وقد جف ماء الطوفان بأمر من الله تعالى واختفى الرعد والبرق، وأشرقت الشمس واعتدل الجو، واستوت السفينة على جبل “الجودي”، وقيل أنه أحد جبال الموصل، وقيل أنه أحد جبال الجزيرة.
وحينما أدرك سيدنا نوح ومن معه من المؤمنين بنجاتهم من الطوفان والهلاك فرحوا بشدة وحمدوا الله كثيرًا.
وبعدما جفت الأرض من الماء، نزل كل من على السفينة، وذهب كلًا إلى طريقه، وعادت الحياة لتدب في الأرض من جديد.
وعندما تذكر سيدنا نوح ابنه حزن بشدة، وطلب من الله أن يعفو عن ابنه، ولكنه خاف من هذا الطلب لأن ابنه كان من الكافرين فاستغفر الله على طلبه فغفر الله له.
الدروس المستفادة من قصة سيدنا نوح
المثابرة وعدم اليأس من الدعوة لعبادة الله، فعلى الرغم من أن سيدنا نوح تعرض للاستهزاء والسخرية، إلا أنه لم يكف يومًا ولم ييأس عن دعوة قومه لترك عبادة الأصنام.
استخدام كافة الأساليب في الدعوة حتى تكون حجة على القوم يوم القيامة، فاستخدم سيدنا نوح أسلوب الترغيب تارة وأسلوب الترهيب تارة أخرى.
فضل الاستعانة بالله وذكره دومًا قبل الإقدام على أي فعل، فقبل ركوب سفينة نوح قال عليه السلام “وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ”.
ما ينفع الناس يوم القيامة هو إيمانهم بالله وتعالى وعبادته وأعمالهم الصالحة وليس القرابة، فقد أهلك الله تعالى ابن سيدنا نوح، ولم تشفع بنوته لنبي أن ينجو من هذا العذاب في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى في كتابه العزيز “قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا”، فمن أهم الدروس المستفادة من تلك القصة أنه إذا أراد الإنسان الرزق والنعِم في حياته والنجاة من الابتلاءات والمِحن فعليه بالاستغفار.