عزيزي القارئ اليوم من خلال موسوعة سنقدم إليك قصة مريم عليها السلام ، وهي من القصص التي نرى فيها إعجاز، وقدرة الله تعالى، وحكمته، في خلق البشر، فقد كرمها الله، وسمى سورة كاملة في القرآن الكريم باسم مريم، ومن خلالها نعرف القصة كاملة التي حدثت لها، وكيف وُلد سيدنا عيسى عليه السلام، دون أن يلمسها بشر، ليس هذا فقط، بل جعله الله يتحدث إلى الناس، وهو مازال طفل رضيع، فقد اصطفاهم مثلما أصطفى الأنبياء والرسل الآخرين.
تبدأ قصة السيدة مريم رضي الله عنها، باعتزال الناس وأهلها، في إحدى الأماكن البعيدة في الجانب الشرقي، وظلت تعبد الله وزاهدة في الدنيا. وذلك جاء في قول الله تعالى من سورة مريم:”وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)”.
وبينما هي في هذا الحال أرسل الله عز وجل إليها سيدنا جبريل عليه السلام، في صورة رجل، ودخل عليها، فخافت منه بشدة، و تفاجئت به، وقبل أن يتحدث بكلمة قالت له:”أني أعوذ بالله منك”، وطلبت منه ألا يقترب منها، وأن يخاف ويتقي الله.
وهنا طمأنها سيدنا جبريل، وقال لها أن الله عز وجل، قد أرسله لها، وأنه لن يؤذيها، ولكنه جاء إليها ليرزقها بطفل بأمر من الله، وهنا قال الله تعالى في سورة مريم:” قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)”.
فتعجبت السيدة مريم الطاهرة والعفيفة، أن نذر والدتها قد قبله الله قبولاً حسناً، ثم قالت في استغراب، كيف سيكون لي ولد، وأنا لم أتزوج من قبل، ولم أرتكب الزنا، أو الفواحش، فبشرها سيدنا جبريل بأن مولدها سيُنجب دون أب له،؛ حتى يكون آية بينة للناس على قدرة الخالق وعظمته.
وجاء ذلك في قول الله تعالى” قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21) “.
نفخ سيدنا جبريل في فمها، وفي بعض الأقوال قيل في جيب درعها، ووصلت هذه النفخة إلى بطن السيدة مريم فحملت بسيدنا عيسى عليه السلام.
وأثناء فترة الحمل، عندما بدأت الأعراض تظهر عليها تركت محرابها ببيت المقدس، و اعتزلت قومها، والناس جميعها، ومكثت في مكان نائي في أقصى القرية، وظلت هكذا حتى حان ميعاد ولادتها، فجلست بجوار جزع نخلة، وامتزجت بداخلها المشاعر بين الإيمان بالله، وحبه، وبين الخوف من اتهامات الناس لها ف شرفها وطهارتها، ودينها.
فتمنت لو أنها ماتت، كانت منسية قبل ولادتها، ولكن حدثت المعجزة التي ستظل خالدة حتى يوم القيامة، وجعل الله سيدنا عيسى يتحدث مع أمه، وطلب منها ألا تحزن، فالله قد كرمه، وسيجعله من عظماء الدنيا، قال لها هزي جذع النخلة؛ حتى ينزل عليكِ رطباً تأكلي منه، وطلب منها ألا تُكلم أحد من قومها.
وحول هذه النقطة قال الله تعالى في سورة مريم:” فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)”.
بعد أن ولدت السيدة مريم سيدنا عيسى رضي الله عنه، ذهبت إلى قومها فاستنكروا الأمر، وسمعت أحاديثهم فأشارت إلى طفلها، لكي يتحدثوا إليه، فقالوا كيف لنا أن نتحدث مع طفل رضيع، فطلب من سيدنا زكريا عليه السلام، أن ينطق بحجته إن كان أُمر بذلك، وقيل أن سيدنا عيسى عندما سمع هذا الكلام اتكأ على شماله، وترك الرضاعة، وأقبل عليهم، وأشار بيمنيه، وقال أنه عبد الله، وأتاه الكتاب من الله، وأنه سيكون نبي، فلما تحدث إليهم ظهرت براءة مريم، ثم صمت بعد ذلك، ولم يتحدث حتى بلغ الموعد الذي يتحدث فيه الأولاد.
وفي هذه النقطة قال الله تعالى:” فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)”.