يهتم الكثيرون في الأيام التي نعيشها الآن- العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم- بأداة صلاة التراويح أو القيام، ولكن كم عدد ركعات القيام في العشر الاواخر من رمضان، هناك اختلاف في آراء العلماء، فمنهم من قال بأن النبي- ﷺ- كان يصليها عشر ركعات ثم الوتر، ومن العلماء من قال إنها عشرين ركعة، بعدها الوتر، وهناك من قال بأن عددها ثلاثون ثم يصلي المسلم الوتر، وقيل أن في عهد خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز كانوا يصلون التراويح ست وثلاثين ركعة ثم الوتر، وعلى هذا فالأمر كله رحمة من الله بعباده لما في اختلاف في آراء العلماء،
ترجع كلمة التراويح في اللغة في الأساس إلى جمع كلمة ترويحة وهي اسم للجلسة في المطلق،وتم استخدامها على مصطلحها الحالي لكون المسلمين في صلاة القيام يجلسون ليستريحوا بين كل أربع ركعات، ولهذا سميت صلاة القيام في شهر رمضان الكريم بالتراويح،
اجتمع جمهور العلماء وأقروا على أن حكم صلاة التراويح سنة مؤكدة، فقد اهتم الرسول- ﷺ- بأدائها طوال شهر رمضان الكريم،
تتعدد أفضال صلاة التراويح؛ لذلك داوم عليها رسولنا الكريم- ﷺ- طيلة شهر رمضان الكريم، وحثنا على صلاتها، وسنذكر لكم بعضاً من فضل صلاة التراويح على المسلم فيما يلي.
تتسبب المداومة على صلاة التراويح طوال شهر رمضان الكريم لمغفرة الذنوب كلها، فعن النبي- ﷺ- قال: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) (حديث صحيح)
من يصلي التراويح سواء كان يقرأ من المصحف أو مما حفظ فهو يتلو آيات الله، ويستزيد منها كيفما شاء، الأمر الذي يضاعف له الحسنات، فهو لا يقرآ آيات الله فقط، بل يصلي بها أيضاً.
من يصلي التراويح، ويتقرب إلى الله بها ويدعو الله في سجوده كل تلك السجدات في ركعات التراويح يتأكد أن دعوته مستجابة، الأهم أن يدعو وهو ساجد فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، كما قال رسول الله- ﷺ- ( أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ) (حديث صحيح)
الله- جل في علاه- وعد من يقيم الليل بثواب يسر به المسلم، كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ (15) تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون) (سورة السجدة الآيات 15: 17)
وصف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قيام الليل في العموم أنه أفضل صلاة بعد صلاة الفرض، فما بالك بقيام الليل في رمضان، وهذا كما في حديث رسول الله- ﷺ- (أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ.) (حديث صحيح)
لا تختلف عدد ركعات صلاة التراويح من العشر الأواخر عن باقي شهر رمضان الكريم، ويذكر أن أقل عدد ركعات للتراويح هو ركعتين، وسنذكر آراء الإمة الأربعة في عدد ركعات صلاة التراويح فيما يلي.
رأى الجمهور من العلماء إلى أن عدد الركعات التي يجب على المسلم قضاؤها لقيام الليل هي عشرون ركعة، وما أقل من ذلك لا تعتبر تراويح.
رأى أصحاب المذهب المالكي أن عدد الركعات هو ست وثلاثون ركعة، ويجوز أن تكون عشرين ركعة.
يرى أصحاب المذهب الحنفي أن عدد الركعات هو ثمان ركعات على الأقل، ومن صلى أقل من هذا لم يصل التراويح.
يبدأ موعد صلاة التراويح بعد قضاء صلاة العشاء، ولا يجوز أداؤها قبل صلاة العشاء، ويستمر موعد التراويح حتى طلوع الفجر، ولا يجوز أداؤها بعد الفجر، إلا في حالة عدم القدرة على قضائها في وقتها لعذر مانع شديد، فيمكن قضاؤها بعد الفجر بنية التراويح، ويمكن أن تصلى في جماعة أو بشكل منفرد، فقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصليها جماعة حتى خاف أن تفرض على المسلمين، فظل يصليها فرداً.
يرجع جمهور الفقهاء إلى أن الأفضل في أداء صلاة القيام أن تكون مثنى مثنى، فعن رسولنا الكريم- ﷺ- عندما سئل عن صلاة الليل فقال: (صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً واحِدَةً تُوتِرُ له ما قدْ صَلَّى) (حديث صحيح)، ويذهب العلماء إلى جعل صلاة الوتر ركعة واحدة على الأقل والأفضل أن تكون ثلاث ركعات، يصلي فيها المسلم ركعتين متتاليتين، ثم ينتهي منها ثم يصلي ركعة مفردة.
لا يصح ونحن نتحدث عن العشر الأواخر من شهر رمضان دون أن نذكر ليلة القدر، الليلة خصها الله وكرمها عن باقي ليالي العام، وميزها بفضل عظيم خاص بها، وبروحانيات خاصة للغاية، وسنعرض لكم بعض من فضل ليلة القدر فيما يلي.
ميز الله- ﷻ- ليلة القدر بأن نزل القرآن الكريم فيها، كما في قوله- ﷻ-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (سورة القدر الآية الأولى) والضمير الغائب في أنزلناه في مختلف التفاسير يعود على القرآن الكريم.
جعل الله- جل في علاه- ليلة القدر ليلة مباركة، وفيها بركة في الرزق والثواب، فقد قال الله- تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) (سورة الدخان الآية الثالثة)
لا يضاهي ثواب ليلة القدر أي ثواب في ليلي العام كله، فهذه الليلة العمل الصالح فيها ثوابه بثواب ألف شهر،بل أفضل من ألف شهر، فقد قال الله- تعالى-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (سورة القدر الآية الثالثة)
يتنزل جبريل- عليه السلام- إلى الأرض ومعه جمع غفير من الملائكة التي تملأ الأرض بركة وهدوء في ليلة القدر، وهي الليلة المعلوم فيها نزول جبريل إلى الأرض بعد انقطاع الوحي، كما قال الله- تعالى-: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) (سورة القدر الآية الرابعة)
يغفر الله- تعالى- ذنوب كل مسلم قام يصلي ويقيم ليلة القدر، فقد قال فيها رسول الله- ﷺ-: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) (حديث صحيح)
من الله علينا في ليلة القدر بأن جعلها ليلة سلام وروحانيات جمة، فمع تنزل الملائكة وزيادة البركة ومضاعفة الثواب، جعل الله ليلة القدر مليئة بالسلام والطمأنينة حتى تنتهي بطلوع الفجر، كما قال الله- ﷻ-: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (سورة القدر الآية الخامسة)
يتحرى كثير من المسلمين ليلة القدر بفارغ الصبر والاجتهاد، ولكن ما علامات تلك الليلة المباركة؟ وسنعرض لكم بعضاً من علامات ليلة القدر فيما يلي.
من علامات ليلة القدر أن الجو فيها يكون معتدلاً وجميلاً، فلا هي ليلة حارة ولا باردة.
هذه العلامة من العلامات المتأخرة للدلالة على أن ليلة القدر قد كانت في الليلة التي سبقت هذا الصباح، وهو أن تطلع الشمس بدون شعاع قوي كعادتها إلى أن ترتفع في السماء.
يجمع العلماء على أن ليلة القدر تملؤها شهور بالطمأنينة والسكينة والهدوء في النفس، وشعور بالرغبة في التقرب إلى الله والفوز من فضله وكرمه.