تمر أيام العام ويمر به الإنسان غارقًا في دنيوية الحياة وماديتها مستنفذًا لطاقته وقدراته حتى يأتي شهرًا هو أجل وأعظم الشهور بل هو بكل الشهور وهو شهر رمضان، وتأتي في شهر رمضان ليلة سكينة تنزل كالبرد والسلام على المسلمين، لترفع فيها دعواتهم لرب العالمين وتنزل الملائكة باسم رب الملائكة وبها الروح، وهي ليلة نزول القرآن، ليلة القدر.
إن صلاة القيام تعد من أفضل الصلوات بعد الفريضة فقيام الليل هي صلاة الخشوع والإخلاص التي تقرب العبد من ربه وتُعظم أجره وثوابه وتغفر ذنوبه، فهي من ضمن جدول اعمال ليلة القدر ، ويراعى بها:
من السنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الاعتكاف في العشرة أيام الأواخر من شهر رمضان، فإدراك ليلة القدر مقيمون للصلاة ومرتلين للقرآن الكريم، فيتغرغ المسلم للعبادة والتقرب من الله في تلك الأيام المفترجة التي تفتح فيها السموات لاستقبال الدعوات، ويجب على العبد أن يستغلها للمغفرة من الله.
إن قراءة القرآن هي أدب الإنصات لكلام خالق الخلق ورب العباد الله جل وعلا، فيجب على العبد الانتظام دومًا على قراءة القرآن ليظل الحبل واصل بين العبد وربه.
عندما سألت أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ليلة القدر إن أدركتها ما الذي يفضل من الدعاء بها، حيث قالت أم المؤمنين: ليلة القدر إن وافقتها، فيم أدعو؟
“قولي اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي”
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : النووي | المصدر : الأذكار
“اللهم إنك عفو” العفو هو تجاوز السيئات وقد عرف الله -عز وجل- بأنه العفو أي كثير العفو، “يحب العفو” بل إنه يحب العفو، أي يحب ظهور تلك الصفة عنده بأن يتجاوز عن سيئات عباده الساعين للتوبة، “فاعفُ عني” فنسأله أن يتجاوز عن سيئاتنا ويصفح عن زللي أعمالنا.
عند إعداد جدول أعمال ليلة القدر مكتوبة يجب أن نعرف قدر تلك الليلة، وقدر الأعمال بها عند الله -عز وجل- فالقدر في اللغة هو: الاسم المصدر من قدر سواء الشيء تقديرًا -أي أعطاه قيمته- أو يقدر قدرًا -أي يكتب ولا مانع له- فمن معاني القدر:
هو ما حكم الله به من أمور الدنيا، فكلًا منها له في قدره الذي قدره له الله، وما نحنُ إلا منتظرين لقضائه ونزوله.
قد اجتهد العلماء في محالة تفسير السبب من تسمية ليلة القدر بذلك الاسم، فقد جاءت في سورة القدر تسمية ليلة نزول القرآن بليلة القدر، فقال الله عز وجل:
“إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)“
– سورة القدر
فجاءت أقاويل العلماء مجتهدة لتفسير سبب التسمية ليكون حكمة للمؤمنين، فمن تدبر في قول الله نال عظيم الحكم والمواعظ الحسنة، ومن أقوال العلماء في بيان لماذا سميت ليلة القدر بذلك:
“فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)”
– سورة الدخان
“وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)”
– سورة الفجر
معرفة ليلة القدر هي من المعارف التي اختصها الله -عز وجل- لذاته ولم يعلنها لعباده لحكمه يعرفها هو، فيقال لم تعلن ليلة القدر ليغتنم العبد كل ليلِ العشر الأواخر من شهر رمضان ولا يختص ليلة واحدة، لكن المعرف أن ليلة القدر هي أحد اليلِ الفردي من العشر الأواخر، وهي ليلة راحة وسكينة وسلام كوني.
اقرأ أيضًا: هل من علامات ليلة القدر عدم نباح الكلاب