سيدنا هود عليه السلام هو النبي الذي أرسله الله عز وجل إلى قبيلة عاد التي كانت تسكن الأحقاف، وهي بلاد حضر موت تقع ما بين البحر جنوبًا والجبال شمالًا ، وكانت دعوة نبي الله هود لقومه تتمثل في ترك عبادة الأصنام، وعبادة الله الواحد الأحد.
أما عن مكان قبر نبي الله هود؛ فلقد تم دفنه في قرية سنا بحضر موت، هذا الإقليم الذي يقع في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، حيث يحده شمالًا الحدود السعودية، وغربًا عدن، وشرقًا عمان ، وإقليم حضر موت هو عبارة عن ساحل واسع من الرمال، يحتوي على عدة مدن مثل مدينة المكلا، مدينة نزيم، مدينة شبوة، مدينة شبام، فضلًا عن مرتفعات وأودية مثل وادي المسيلة، وادي دوعن، وادي الكسر، وادي حجر، وغير ذلك الكثير من الأودية.
هناك آراء أخرى أشارت إلى أن نبي الله هود عليه السلام تم دفنه في مكان قريب من بئر زمزم بمكة المكرمة، وآخرون قالوا أنه مدفون في دمشق لوجود جدار جانب مسجد مكتوب عليه أن هنا قبر سيدنا هود، وذكرت آراء أخرى أن سيدنا هود عليه السلام مدفون في المدينة العراقية نجف وبالتحديد في مقبرة وادي السلام، بجوار الأنبياء آدم ونوح وصالح عليهم السلام ، وقيل أيضًا أن قبر سيدنا هود موجود في مدينة جرش الأثرية على قمة جبل مرتفع في الجزء الشرقي منها.
قصة هود عليه السلام
قيل أن اسمه عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح -عليه السلام، وقيل أن اسمه هود بن عبد الله بن رباح بن جاوب بن عاد بن عوص بن إرم.
قوم سيدنا هود هم قبيلة عاد، والذين كانوا يسكنون الأحقاف، فقد قال الله عنهم في سورة الفجر: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ”.
كان قوم عاد يعبدون الأصنام من دون الله، تلك الأصنام كانت ثلاثة وهي الهباء وصمود وصداء، ولقد تميزت تلك القبيلة بقوتها التي جعلتها تغتر وتتجبر وتتكبر، فظن أبنائها أنه ليس هناك من يحاسبهم على أفعالهم، فيفعلوا ما يحلوا لهم، ولذلك وصفهم الله في سورة الشعراء بقوله تعالى: “أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ”.
ولذلك أرسل الله عز وجل نبيه هود عليه السلام، لهداية قومه، ولدعوتهم لترك عبادة الأصنام وعبادة الله الواحد الأحد.
ولكن قوم عاد قابل دعوة هود بكل غرور وتكبر، واستخفوا به وبدعوته، وأصروا على طغيانهم وكفرهم بالله تعالى.
فقد جاء في قول الله تعالى في سورة الأعراف: “وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ”.
لم ييأس هود عليه السلام من دعوته، وأدرك أهمية المطر وحاجة بلاد الأحقاف إليه، وحاجتهم هم إلى القوة التي يتفاخرون بها على باقي الأمم، لذلك دعاهم للاستغفار حتى يمدهم الله بالمطر، ويزيدهم قوة على قوتهم.
فقد جاء في قول الله تعالى في سورة هود: “يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ”.
فظل قوم عاد على كفرهم وعنادهم، وطالبوه بأن يأتي بدليل على صدق دعوته، ولم يكن هود يمتلك الدليل على ضعف آلهتهم التي يعبدونها، فتبرأ مما يقولون، “إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ”.
وعلى الرغم من تهديد قوم عاد لهود بالأذى؛ إلا أنه لم يهتم بتهديدهم، وتحداهم، “مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”.
عقاب الله لقوم عاد
على الرغم من استمرار هود عليه السلام في دعوته؛ إلا أنه لم يؤمن به إلا القليل من قومه، هذا القوم الذي ازداد في تحدى نبي الله، “قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ”.
أنزل الله عقابه على قوم عاد، فمنع عنهم المطر، فجفت ينابيعهم وبساتينهم، وأُصيبت نعامهم بالضعف والهزل، وظلوا على هذا الحال لمدة 3 سنين، فأصبحوا يترقبون نزول المطر في أي وقت.
ولكن مع طول الانتظار، أُصيبوا باليأس، وبدؤوا يتيقنوا أن مدينتهم التي أصابها القحل والتآكل في طريقها إلى الزوال، وعلى الرغم من ذلك ذلك لم تلن قلوبهم، وظلوا على كفرهم وإصرارهم وعنادهم، فقالوا لهود: “أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ”.
فأجابهم هود بأن الله تعالى أنزل عليهم العذاب، “قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ”.
وكان العذاب الذي يقصده هود عليه السلام هو انتظارهم للمطر، وتعلق أنظارهم بالسماء، فيأتيهم العذاب بدلًا من المطر، “فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ”.
واستمر العذاب الذي أنزله الله على قوم عاد، فأرسل الله لهم عاصفة شديدة ظلت مستمرة لمدة 7 ليالِ أو 8 أيام متتالية، “أَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ”.
تلك العاصفة التي أرسلها الله على قوم عاد أصابتهم الدوار والصرع، وجعلت أجسامهم هزيلة وخاوية.
وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم، فمرَّت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها، ﴿ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الأحقاف: 24]، فألقت أهلَ البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة”.
فكانت الريح تحمل أبناء عاد إلى أعلى ثم تدفعهم أرضًا، فأصبحوا جثث بدون رأس، ولذلك شُبهوا في سورة الحاقة بأنهم كأعجاز نخل خاوية.
معجزة سيدنا هود
لم يُذكر في القرآن الكريم أن نبي الله هود عليه السلام برهن على صدق دعوته بمعجزة من الله عز وجل.
وقيل أن سبب ذلك هو أن عهد قوم عاد قريبًا بعهد نوح عليه السلام، وأن سفينته ظلت شاهدة على الهلاك الذي ألحقه الله بالكفار ممن لم يؤمن به.
وهناك مفسرون قالوا أن عدم خوف هود عليه السلام من قومه وصموده أمامهم هو معجزة في حد ذاته.
ومن المفسرين من قال أن سيدنا هود عليه السلام دعا على قومه، فأنزل الله عليهم عذابه، وتلك كانت معجزته.