أرسل الله -عز وجل- إلى البشرية أنبياء ورُسُلًا؛ لمَهمَّاتٍ سامية؛ لذا تُقدِّم الموسوعة بحث عن الانبياء ؛ للتّعرُّف على تلك المهمات؛ فالأنبياء هم وُكلاء الله- تعالى- في أرضه؛ أرسلهم الله عز وجل لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك ما يعبدون، وتبشير الطائعين العابدين لهم بنعيمٍ مُقيمٍ، وبجنةٍ عرضُها السماوات والأرض أُعِدَّت للمتَّقين، وإنذار الكافرين الجاحدين لهؤلاء الأنبياء بسوء المنقلب وسوء العاقبة، وبنارٍ لا يعقبها نعيمٌ قط؛ فاختر ما بين الطريقين: نعيمٌ تُخَلَّد فيه، أو عذابٌ تُخلد فيه، وأرسل الله عز وجل كل نبي بمعجزة تُبيِّن أنه مُرسلٌ من عند الله عز وجل لا من تلقاء نفسه، وأنه مؤيدٌ من عند الله عز وجل، وما من تأييدٍ أفضل وأعظم من تأييد الله لعباد، فما بالك لوكان تأييده لمن فُضِّلوا على الناس أجمعين.
أولوا العزم من الرسل هم خمسة من الرسل الذين صبروا على إيذاء أقوامهم؛ فتسميتهم بأولي العزم مأخوذة من :إن أقوامَهم آذوهم إيذاءً شديدًا، ولم يرجعوا عن أمر الله عز وجل في تبليغ رسالته، وإنما صبروا صبرًا لا يتحمَّله أحد؛ لأجل تبليغ ما أُمِروا به، وهم ( موسى، عيسى ، نوح ، محمد ، إبراهيم)، وقد أيدهم الله -تعالى- بمعجزاتٍ من جنس ما برعوا فيه، وسنتناول معًا بعض الأنبياء مظهرين ما برعوا فيه، وما برعت أقوامهم فيه.
أرسلَ الله عز وجل سيدنا موسى -عليه السلام- في قومٍ يُجيدون السّحر؛ فقوم موسى كانت حِرْفتهم هي السِّحر؛ فأرسل الله موسى بمعجزةِ السحْر أيضًا؛ حتى تكون المعجزة من جنس ما برعوا به، فالإقناع يكون أولى وأشد في هذه الحالة، وقد بُعِث موسى -عليه السلام- في عهد فرعون مدّعي الألوهية، فلما ادَّعى موسى السحر؛ وأن سيُبطل سحرهم ويغلبهم، أمر فرعون السحرة أن يجتمعوا؛ حتى يرى الناس مَن سيغلب ، أسحرة فرعون أم موسى عليه السلام؟
اجتمع الناس، والتقى الجمعان، وقال موسى لسحرة فرعون: ألقوا ما أنتم مُلقون؛ فألقى سحرة فرعون الحبال والعِصِيّ التي يفعلون بها السحر، فراوغ ذلك فكر الناس، وظنوا أنها سحر في الحقيقة، ولكن الله عز وجل قد أنار بصيرة موسى عليه السلام، ورآها كما هي، وجاء دور موسى عليه السلام في الرمي، فلما رمى موسر عصاه ظهرت ثٌعبانًا ضخمًا كبيرًا فلما ظهر تلك الثعبان أكل كل السحر الذي فعله هؤلاء السحرة.
ومن شدة وهول هذا الموقف، السحرة الذين يعبُدون فرعون، ويقولون: أنت ربنا الأعلى؛ خرُّوا ساجدين؛ لعلمهم أن هذا ليس مجرّد سحرٍ، وإنما هذا الشيء برهان ودليل على قوة هذا الرجل، وأنه مؤيَّد بشيء لا بُجاريه بشرٌ، ولا يستوعبه عقل، وذُهِلَ الحاضرون، وقالوا : آمنَّا برب العالمين، رب موسى وهارون.
ظهر سيدنا إبراهيم عليه السلام في عهد رجُلًا يُسمى (النمرود)، جاءه إبليس- عليه لعنة الله- في يوم من الأيام، وقال له: أتُريد أن تحكم هذا العالم بأسره، قال له: من أنت؟ قال إبليس: أنا إبليس، فقال له: نعم أريد أن أحكم هذا العالم بأسره، فقال إبليس: أول شيء عليك فعله قتلُ أبيك(وكان أبوه هو الذي يحكم مملكتهم)؛ فقتل النمرود أباه، ثم سخَّر إبليس الجنّ للنَّمرود فملك جيشًا لم يستطع أحدٌ إيقافه، فملك النمرود زمام العالم كله بقوَّته، وأوصله جبروته أن أمر الناس بعبادته، وادّعى الألوهية،.
فأرسل الله عز وجل سيدنا إبراهيم في هؤلاء القوم؛ لكي يعبدوا الله عز وجل وحده لا شريك له، وأن يتركوا عبادة النمرود، وكان النمرود في غالب الأحبان يتفقد أحوال رعيته، ويسألهم: من ربكم؟؛ فيُجيبون: النمرود؛ حتى جاء الدور على سيدنا إبراهيم، فقال له النمرود: من ربك؟، قال: ربي وربك الله؛ ففزع النمرود من هذا الرد الذي لم يستطع أحد قوله؛ فقال لجنوده: خذوه، وألقوه في النار؛ فأخذه الجنود، ثم ألقوه في النار.
فجاءت العناية الإلهية من فوق سبع سماوات، وأمر الله عز وجل النار أن تكون بردًا وسلامًا على إبراهيم؛ فلم تحرقه بعناية وقدرة الله عز وجل وجل؛ فازداد فزع النمرود، وتعجب الناس جميعًا، وعلموا أن هذا الرجل يحمل في جُعبته شيئًا غريبًا، وهذا الشيء لا تحتويه قدرة بشر؛لأنه فوق قدراتهم، وفوق طاقاتهم، فأراد النمرود أن يُقنع الناس بألوهيته بعد هذا الموقف المُحرج الذي أوقعه فيه ؛ فاستدعى النمرود سيدنا إبراهيم ،والتف الناس جميعًا؛ لرؤية ماذا سيحدث؟، فقال النمرود: سأُثبت لكم جميعًا ألوهيتي، واستطاعتي الموت والحياة؛ فأمر النمرود برجلين؛ فقتل أحد الرجلين، وأطلق سراح الآخر الآخر؛ ثم قال للناس: أنا أحيي وأُميت؛ فبقدرتي قتلت هذا الرجل، وبقدرتي أيضًا أطلقت سراح الآخر، فجاء رد إبراهيم عليه السلام عليه كالصاعقة؛ وقال: إن كنت إلهًا حقًّا فإن ربي وربك يأتي بالشمس من المشرق إلى المغرب؛ فأتِ بها أنت من المغرب؛ فبُهِت الذي كفر!!