إن بر الوالدين طبيعة روحية، وفطرة ربانية، واعتراف بالجميل، وإحقاق الحقوق لأهل الحقوق، فالوالدان هما كل حياتنا، فنحن قطعة من روحهما، فكم تعبت أمك في حملك، وإرضاعك، وفطامك، وإطعامك، وتربيتك على الأخلاق الحسنة لتكون بذلك فردًا صالحًا في الدنيا والآخرة بإذن الله.
وكم كد أبوك وتعب في سبيل الإنفاق عليك، على مأكلك ومشربك ومسكنك وملبسك، وكل تفاصيل حياتك، حتى يوصلك بذلك إلى بر الأمان الذي تستطيع منه الانطلاق في الاعتماد على نفسك ومواجهة الحياة، وهما مع ذلك لا يتركانك وحدك بل يرشدونك وينصحانك ويساعدانك، لذلك كان حقًا علينا أن نوفيهما حقهما ونبرهما في حياتهما ومماتهما.
بر الوالدين في الإسلام
لقد أوصى الدين الإسلامي أتباعه ببر الوالدين في كل وقت، وقرن الإحسان إليهما بعبادته تعالى في أكثر من موطن في القرآن الكريم، حتى كان برهما ركن ركين من أركان الإسلام.
فيقول تعالى: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا”.
فبعد أن تحد الله تعالى عن التوحيد اتبع ذلك بالحديث عن بر الوالدين والإحسان إليهما في حياتهما بطاعتهما، وبعد مماتهما بالدعاء لهما بالرحمة.
وفي حديث يوضح أهمية بر الوالدين في الإسلام قال ابن مسعود رضي الله عنه: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله”.
كيفية بر الوالدين
بر الوالدين لا ينقطع أبداً فهو مستمر في حياتهم وحتى بعد مماتهم، ويكون له العديد من الأشكال، والتي يمكن توضيحها فيما يلي:
بر الوالدين في حياتهم
بر الوالدين في حياتهم يكون له العديد من الطرق، ومن تلك الطرق ما يلي:
الإكثار من الدعوة لهم، حيث إن الدعوة الطيبة من احب الأعمال التي يمكن تقديمها للوالدين امتنان على ما يقدموه لأبنائهم، وتكون الدعوة لهم بالرحمة والمغفرة وصلاح الحال وتيسير الأمور وحسن الخاتمة.
إخراج الصدقة عنهما، والتي يكون لا الأجر والثواب في الحياة والممات، وذلك من خلال عدة طرق، مثل:
بناء مسجد أو المساهمة به.
المساهمة يف حفر بئر من الماء.
المشاركة في طباعة المصاحف.
نشر الخير والعلم.
إعطائهم حقهم في التوقير والاحترام، وذلك من خلال تقبل الرأس واليد والتودد والتواضع لهما.
المدح والثناء على فضلهم وعلى ما قدموه من الأعمال لخدمة أبنائهم من نصح وإرشاد وتعليم وتوجيه إلى الطريق الصواب، ومن الجدير بالذكر أن هذا المدح يدخل عليهم السرور والبهجة.
العمل على تلبية حاجتهم في الدنيا.
أخذ المشاورة منهم حتى في الأمور الخاصة.
الاستماع لهم جيداً، وتقديم الاهتمام والتفاعل معه وموافقة الكلام.
عدم الانقطاع عنهم وزيارتهم بشكل مستمر، أو الاتصال بهما إن كان التواجد المستمر صعب.
السعي الدائم لكسب رضا الوالدين، وعدم معصيتهم في أي أمر.
تلبية ندائهم في أي وقت يكون بحاجته.
بر الوالدين في مماتهما
يتمثل بر الوالدين في مماتهما فيما يلي:
الإكثار من الدعاء والاستغفار إليهما ، حيث إنه من الأعمال الصالحة التي تشفع لهم ولا تنقطع أبداً بعد الوفاة، وهذا ما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ : صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ ينتفعُ به ، وولدٍ صالحٍ يدعو له”
صلى الرحم لكل أحبائهم من أصدقاء وأقارب وإكرامهم كما كانوا يُكرمون في حياتهم، حيث إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان شديد الحرص أن يظل على بر ووصال مع أهل والده عمر بن الخطاب حتى بعد وفاته، وروي عن عبد الله بن عمر: “أنهُ كانَ إذَا خَرَجَ إلى مَكَّةَ، كانَ له حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عليه إذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بهَا رَأْسَهُ، فَبيْنَا هو يَوْمًا علَى ذلكَ الحِمَارِ، إذْ مَرَّ به أَعْرَابِيٌّ، فَقالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بنِ فُلَانٍ؟ قالَ: بَلَى، فأعْطَاهُ الحِمَارَ، وَقالَ: ارْكَبْ هذا، وَالْعِمَامَةَ، قالَ: اشْدُدْ بهَا رَأْسَكَ، فَقالَ له بَعْضُ أَصْحَابِهِ: غَفَرَ اللَّهُ لكَ! أَعْطَيْتَ هذا الأعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عليه، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بهَا رَأْسَكَ، فَقالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ، وإنَّ أَبَاهُ كانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ”.
قضاء العبادات عنهم بعد مماتهم مثل الحج أو الصيام المتأخر.
فضل بر الْوَالِدَيْنِ
فضل بر الوالدين لا يُعد ولا يُحصر في الدنيا والآخرة، وله ثواب عظيم من الله عز وجل، لذلك يمكننا توضيح أبرز وأهم الفضائل التي يمكن الحصول عليها من بر الوالدين:
يحظى الإنسان بعلو الشأن والمكانة.
يُرزق بطيب السمعة وحسن السيرة بين الناس.
يبارك الله به في عمله ورزقه ويضاعف له أجره في حياته.
يغفر له ذنوبه ويكفر عنه سيئاته، ويضاعف له حسناته.
يدخله الله الجنة ويحميه من النار، حيث إن رضا الله من رضا الوالدين..
رضا الوالدين من خلاله يمكن الحصول على أجر وثواب كبير مثل أجر وثواب الجهاد في سبيل الله.
روي عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أَقْبَلَ رَجُلٌ إلى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَ: أُبَايِعُكَ علَى الهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأجْرَ مِنَ اللهِ، قالَ: فَهلْ مِن وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قالَ: فَتَبْتَغِي الأجْرَ مِنَ اللهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَارْجِعْ إلى وَالِدَيْكَ فأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا” ، وهذا الحديث يشير إلى أن شرط صحة الجهاد رضا الوالدين وأن طاعة الوالدين والقيام على تأدية حاجتهم يكون مثل الجهاد في سبيل الله.
يحتل فضل بر الوالدين المرتبة الثانية بعد الصلاة ومن ثم يأتي الجهاد في سبيل الله.
روي عبد الله بن عمر رضي الله: “سألت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الأعمالِ أفضَلُ؟ قال: الصَّلاةُ لأوَّلِ وقتِها. قلتُ: ثمَّ ماذا يا رسولَ اللهِ؟ قال: بِرُّ الوالِدَينِ إحسانًا. قلتُ: وماذا يا رسولَ اللهِ؟ قال: الجِهادُ في سبيلِ اللهِ” وهذا الحديث دليل على ترتيب منزلة فضل الوالدين عند الله عز وجل.
بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله به ينشرح الصدر يذهب الهم والغم والحزن وينير الطريق في الدنيا والأخرة.
بر الوالدين من الأسباب التي تجعل الله يغفر الذنوب لعباده، روي عبد الله بن عمر رضي الله عنه: “أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فقال إنِّي أذنبتُ ذنبًا عظيمًا فهل لي من توبةٍ فقال هل لك أمٌّ قال لا قال فهل لك من خالةٍ قال نعم قال فبِرَّها”
بر الوالدين يفرج الكرب ويقبل دعاؤه والسبب في مباركة الرزق في الدنيا.
علامات بر الوالدين
هناك العديد من العلامات والإشارات التي تشير إلى رضا الوالدين، ومن هذه العلامات ما يلي:
انشراح الصدر: بر الوالدين من الأعمال التي تؤدي إلى انشراح الصدر وانبعاث الطمأنينة في القلوب، حيث إنه من أحب وأعظم الطاعات تقرباً إلى الله، لذلك من وجد ضيق في صدره عليه أن يراجع نفسه وطاعته لوالديه.
استجابة الدعاء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنَّ أَهْلَ الكُوفَةِ وَفَدُوا إلى عُمَرَ، وَفيهم رَجُلٌ مِمَّنْ كانَ يَسْخَرُ بأُوَيْسٍ، فَقالَ عُمَرُ: هلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنَ القَرَنِيِّينَ؟ فَجَاءَ ذلكَ الرَّجُلُ فَقالَ عُمَرُ: إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قدْ قالَ: إنَّ رَجُلًا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَنِ يُقَالُ له أُوَيْسٌ، لا يَدَعُ باليَمَنِ غيرَ أُمٍّ له، قدْ كانَ به بَيَاضٌ، فَدَعَا اللَّهَ فأذْهَبَهُ عنْه، إلَّا مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ، فمَن لَقِيَهُ مِنكُم فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ.” (رواه أسير بن جابر)، فأخذ عمر بن الخطاب بعد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يبحث عن أويس وطلب منه أن يدعو له.
تقبل الأعمال: بر الوالدين يكون السبب في قبول الأعمال والطاعات وتكفير الذنوب، ومن الجدير بالذكر أن العاق بوالديه لا تُقبل أعماله حتى ولو صام وأدى كل العبادات فلن يحصل على أجر وعليه لعنة من الله عز وجل لأنه قاطع للرحم.
منزلة الوالدين
أعطى الإسلام اهتمام كبير لبر الوالدين لتقوية روابط المحبة والمودة بين الأقارب والأبناء، ومن أفضل وأحب الأعمال إلى الله هو بر الوالدين فهو بمثابة الجهاد في سبيل الله، ويكون السبب في دخولهم الجنة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ.”
أعمال بر الوالدين
إن بر الوالدين يكون أولًا بطاعتهما وتنفيذ أوامرهما ما لم تكن مخالفةً للدين، كذلك يكون بر الوالدين بالإنفاق عليهما بالمال، ومخاطبتهما بالقول الحسن، واحترامهما، وخدمتهما بكل الطرق، يكون بجعلهما من أولويات الإنسان فيخصص لهما وقتًا في حياته اليومية، وفي حال موتهما يدعو الله لهما بالرحمة، ويصل أرحامهما، وأصدقائهما.
خاتمة عن بر الوالدين
وبذلك فبر الوالدين هو خير ما قد يستفيد منه الإنسان في آخرته، وبه يعترف بفضلهما عليه في دنياه، لذلك قال نبي صلى الله عليه وسلم: “رغم أنف، ثم رغم أنف من أردك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة”.
فهما باب من الأبواب وريق من الطرق الموصلة إلى الجنة، لذلك كان من لم يستطع استغلال وجودها في حياته لينال بذلك الفضل العظيم خاسرًا خسرانًا مبينًا، وناكرًا لجميلها و فضلها عليه.
يحظى الإنسان بعلو الشأن والمكانة. يُرزق بطيب السمعة وحسن السيرة بين الناس. يبارك الله به في عمله ورزقه ويضاعف له أجره في حياته. يغفر له ذنوبه ويكفر عنه سيئاته، ويضاعف له حسناته. يدخله الله الجنة ويحميه من النار، حيث إن رضا الله من رضا الوالدين.. رضا الوالدين من خلاله يمكن الحصول على أجر وثواب كبير مثل أجر وثواب الجهاد في سبيل الله. حتل فضل بر الوالدين المرتبة الثانية بعد الصلاة ومن ثم يأتي الجهاد في سبيل الله. روي عبد الله بن عمر رضي الله: “سألت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الأعمالِ أفضَلُ؟ قال: الصَّلاةُ لأوَّلِ وقتِها. قلتُ: ثمَّ ماذا يا رسولَ اللهِ؟ قال: بِرُّ الوالِدَينِ إحسانًا. قلتُ: وماذا يا رسولَ اللهِ؟ قال: الجِهادُ في سبيلِ اللهِ” وهذا الحديث دليل على ترتيب منزلة فضل الوالدين عند الله عز وجل. بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله به ينشرح الصدر يذهب الهم والغم والحزن وينير الطريق في الدنيا والأخرة.