لا تسعفنا الكلمات للتعبير عن مدى أهمية وقدر الأم في الحياة للدرجة التي تصل بالبعض إلى وضعها في مقام نبع الحياة، فبدونها لا يمكن للإنسان العيش مرتاح البال مطمأن على حياته القادمة، وبها يزيد قدر الإنسان في الحياة، وذلك لكونها أهم داعم ومقوي لنا في الحياة، لذا ومن خلال الفقرات التالية سنتعرف على دور ومكانة الأم في الحياة وفي الإسلام.
أليست الأم هي من ربتك؟ أليست من سهر الليالي حين مرضت؟ أليست من مرض لمرضك وفرح لفرحك وبكى لبكائك؟ أليست صاحبة ألذ طعام وأصفى شراب؟ لا والله، بل إنها أكثر من ذلك، فهي من حملتك ووضعتك وهي من أرضعتك وفطمتك، وحاولت بكل ما أوتيت من عزيمة قوية أن توصل إليك ما تربت عليه من أخلاق كريمة وعلوم جليلة، بل إنها لتدعو لك بالنجاح في السر قبل العلن، وفي الخفاء أكثر من الجهر، أليست هي التي تغفر لك أحيانًا إذا أخطأت رحمةً منها، وتعاقبك أحيانًا أخرى رغبةً في تربيتك؟
بلى، إنها الجنة الأعلى، والحب الأسمى، والقلب الأعذب، والرحيق الأطيب.
ولذلك فقد أكرم الإسلام نزل الأم ووضعها في مكانة عالية حتى إن الجنة تحت قدميها، فإذا أردت الجنة بكل سهولة فاعمل على طاعتها، وحتى أنها نادرًا ما ستجدها تطلب منك شيئًا، وجعل الإسلام رضا الوالدين من رضاه وسخطهما من سخطه، وجعل منزلة طاعة الوالدين بعد منزلة طاعته سبحانه وتعالى فقال:
“۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)”.
” سورة الإسراء، الآية 23″.
قد نبه الإسلام على حسن الصحبة مع الوالدين وجعلهما أحق الناس بالكلمة الطيبة والخلق الحسن والدعاء بإخلاص، فقال تعالى:
“إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)”.
” سورة الإسراء، الآية 23″.
كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم، حين سأله الأعرابي قائلًا:
“جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. وفي حَديثِ قُتَيْبَةَ: مَن أَحَقُّ بحُسْنِ صَحَابَتي وَلَمْ يَذْكُرِ النَّاسَ”.
” أبو هريرية، حكمه: صحيح”.
كما ذكرها النبي الكريم ” صلى الله عليه وسلم” في الحديث الشريف التالي:
“كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمرةُ فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار”.
“عبد الله بن مسعود، حكمه: إسناده صحيح”.
كما أنه لعظيم فضل الأم كانت من وصايا الله تعالى لنا في كتابه الكريم الإحسان لها، فقد بين الله فضلها في قوله تعالى:
“وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)”.
“سورة لقمان، الآية: 14”.
كما قلنا فإن رضا الأم من رضا الله، وكيف تدخل الجنة الكائنة تحت قدمها وأنت لا تقوم بواجبك تجاهها، ولكن لا تقلق فإن الأم هي أحنى قلب عليك وأرق عاطفة ومشاعر نحوك، فأنت والله يمكنك إرضاؤها بأبسط الأشياء: يكفي فقط أن تسمع كلامها، وتلبي احتياجاتها، وتريحها من العمل قدر الإمكان، واعمل على كسب رضاها وودها.
تذكر أنها أكثر شخص يتمنى لك النجاح، وأنه أكبر مصدر حب لك، وقد تشعر بالملل أحيانًا من كثرة اهتمامها بك ولكن إذا اختفى هذا الاهتمام فستشعر أن شيئًا كبيرًا كان عندك ثم صار مفقودًا في حياتك، وتذكر أن جهدها معك وتعبها كان أحد أهم أسباب نجاحك وتفوقك، وإذا نظرت إلى معظم العظماء فستجد أن السبب وراء نجاحهم هو أم عظيمة كريمة فإنما ينزل الماء من السحاب.
لطالما تحدث الشعراء عن عظيم فضل الأم وأثرها على المجتمع، وفضلها على الفرد، فهذا المتنبي يتكلم عن أمه في أبيات تبعث على البكاء يروي لنا فيها حنينه إلى حضن أمه الدافئ ونظره إلى الدنيا بعدها كالأعمى، فيقول:
أحن إلى الكأس التي شربت بها وأهوى لمثواها التراب وما ضمّا
بكيت عليها خيفةً في حياتها وذاق كلانا ثكل صاحبه قدمّا
أتاها كتابي بعد يأس وترحة فماتت سرورصا بي فمت بها غمّا
حرام على قلبي السرور فإنني أعد الذي ماتت به بعده سمّا
هبيني أخذت الثأر فيك من العدى فكيف بأخذ الثأر فيك من الحمّى
وما انسدت الدنيا علي لضيقها ولكنّ طرفًا لا أراك به أعمى
ها هو ذا شاعر النيل حافظ إبراهيم يتحدث عن أهمية الأم في أبياته المشهورة، ومنها :
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق
لقد أبكانا حقًا أمير الشعراء، وحق لنا البكاء، حين قال:
أغرى امرؤ يومًا غلامًا جاهلًا بنقوده حتى ينال به الضرر
قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى ولك الدراهم والجواهر والدرر
فمضى وأغرز خنجرًا في صدرها والقلب أخرجه وعاد على الأثر
لكنه من فرط سرعته هوى قتدحرج القلب المقطع إذ عثر
ناداه قلب الأم وهو معفر ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر؟!
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية تعبيرنا عن الأم ونرجو من الله “عز وجل” أن نكون قد وفقنا في التعبير عن مدى أهمية وقدر الأم في الحياة، ومقدار المكانة التي تحوز عليها في الدين الإسلامي الحنيف.
خلق الله ” سبحانه وتعالى” الأم لتكون نفحة طيبة من نفحات الجنة في الحياة، لتمأ القلوب بالحب والمودة، ولتكون جزء من رحمة الله بعباده على الأرض، فيه أكثر الناس حبًا وعطاء، وهي أكثرهم تضحية وبذلًا للجهد في سبيل رعاية أطفالها، ليكون أحسن الناس في المستقبل.
فمن منا لا يرى الأم نبذل قصرى جهدها في سبيل تحققي الراحة والأمان في المنزل، من منا لا يرها تسهر الليالي لتعتني بنا وبمشاكلنا، من منا لا يحتاج إلى لمسة يديها في الحياة لتكون هي الدواء لكل الآلام التي يعاني منها في الحياة، وتكون هي المسكن القوي لكافة المتاعب التي يمكن أن يواجهها الإنسان في حياته، لذا لا مجال للشك أو للتعجب في ذكر الله ” سبحانه وتعالى” الأم في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، مما يزيد من قدرها في الحياة ويؤكد مدى الأهمية التي تتمتع بها في الحياة الدنيا والآخرة.
لذا وجب علينا تقديم وبذل الكثير من الجهد والقوت في سبيل الحصول على رضاها في الحياة، وتقديم كل الولاء والطاعة لكافة أوامرها مع التأكد من كونها في سبيل راحتنا والتفوق في مستقبلنا.
يمكن وصف الأم بكلمة من خلال قول:
– ما الأم إلا نسيم الربيع الدافئ في حياتي المليئة بالمتاعب.
قال الرسول الكريم محمد “صلى الله عليه وسلم” في الأم الحديث التالي:
-“إنَّ اللهَ يُوصيكم بأمَّهاتِكم، ثم يُوصيكم بآبائِكم، ثم بالأقربِ فالأقربِ”.”المقدام بن معدي كرب، حكمه: إسناده حسن”.