معركة بلاط الشهداء من أهم المعارك؛ لذا تقدم الموسوعة من هو قائد معركة بلاط الشهداء ؛ فلقد كان حلم فتح القسطنطينية يُراود المسلمين منذ زمنٍ بعيد، حتى إن النبي-صلى الله عليه وسلم- قد قال عنها: (لَتُفتَحَنَّ القُسْطَنْطينيَّةُ؛ فنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ونِعْمُ الجيشُ ذلكَ الجيشُ)، ولكن دخول القسطنطينية لا بد وان يسبقه دخول فرنسا وإسبانيا؛ حتى يتمكن الجيش من الوصول إلى القسطنطينية، وتذكر كتب التاريخ والسير أن عثمان بن عفان قد انتدب قادة الفتح الإسلامي وأوصاهم، بقوله (إنّ القسطنطينية تُفتح من قِبَل الأندلس، وإنّكم إذا فتحتم ما أنتم بسبيله كنتم شركاء في الأجر مع من يفتح القسطنطينية)، وبالفعل قام ولاة شمال إفريقيا بالتخطيط لحرب فرنسا، وجعل كل آمالهم في هذا الفتح، وقاموا بالتجهيزات لعمل حصر بري لقطع الإمدادات عنها، فهيا معًا نتعرف على قائد معركة بلاط الشهداء.
قائد معركة بلاط الشهداء هو عبد الرحمن الغافقي، وهو تابعي جليل، يكنى بأبي سعيد، وكان هذا التابعي معروف بزهده وورعه، وبشجاعته، تعلم القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة على يد عبد الله بن عمر-رضي الله عنه-، وتعلم الفروسية والقتال؛ حتى صار أحد القادة الإسلاميين الذي سجلوا اسمهم بحروف من نور في المعارك التاريخية، ولد هذا التابعي في مدينة عكّة، ثم انتقل إلى اليمن، وكان من الفرسان المعروفين بشجاعتهم، وبسالتهم في القتال.
حتى إنه تفوق على أقرانه، وقد نشب خلاف بينه وبين بن سحيم، عُزل على إثر هذا الخلاف عبد الرحمن الغافقي، وصار الغافقي يروح ويغدو؛ حتى ولاه هشام بن عبد الملك إمارة الأندلس، وخفف الضرائب، ورد المظالم إلى أهلها، وأقام العدل بين الناس، وأخمد الفتن التي كانت دائرة بين المسلمين في ذلك، كما أنه قام بدعوة المجاهدين المسلمين من كل أقطار الدول الإسلامية؛ حتى يحملوا راية الجهاد في سبيل الله، ويُدافعوا عن كلمة الحق.
لقد كانت بلاد الأندلس في الوقت الذي يسبق معركة بلاط الشهداء من أكثر الدول تفككا وخمولا، فلم يكن عندهم الرغبة في الحرب والقتال، وذلك لما كانوا فيه من حياة الرفاهية، وسيطرة الكنيسة ورجال الدين المسيحي على عامة الشعب، فلم يكن الشعب عنده الرغبة في شيء غير إطاعة الكنيسة ورجال الدين المسيحي فقط، ولكن سرعان ما تيقظ ملوك الأندلس، وتيقظ شعبها، وذلك إثر الحملة التي قام بها بن سحيم على فرنسا.
والسيطرة على الكثير من الأماكن فيهان فتنبه لذلك ملوك الأندلس، وظنوا أن هذا الزحف قد يصل إليهم، وفي هذا قد يتعرض حكمهم للضياع، ومن هنا نلحظ أنهم كانوا يخافون على كرسي الحكم أكثر من الخوف على شعوبهم، ثم تكون في فرنسا حشد سياسي كبير، كان يهدف هذا الحشد للوقوف بوجه الدولة الإسلامية التي تُريد الزحف إلى القسطنطينية، وقد كان قاد هذا الحشد القائد الفرنسي الصليبي( شارل مارتل).
وقد دعا هذا القائد جميع القوى الصليبية على مستوى العالم أن تجتمع، وأن تقف صفا إلى صف بجوار بعضهم البعض؛ حتى يتمكنوا من مواجهة ذلك التيار الإسلامي، وبالفعل تم حشد جميع القوى الصليبية، وفي أثناء هذا الوقت الذي تتجمع فيه القوى الصليبية، كان عبد الرحمن الغافقي قائد جيش المسلمين يدخل مدينة أكيتانيه الفرنسية، والحق بهم الضرر الكبير؛ حيث غن هذه المدينة كانت تكاد تنعدم فيها الموارد البشرية، وتكبدوا الكثير من القتلى والجرحى، وواصلوا الزحف للوصول إلى غايتهم الكبرى، وهي مدينة القسطنطينية.
واصل عبد الرحمن الغافقي ومن معه من جيش المسلمين الزحف نحو القسطنطينية، وبدأوا في إسقاط مدن فرنسا واحدة تلو الأخرى، وقد ذكرت الروايات العربية التي تحدثت عن هذه المعركة إلى أن عدد جيش المسلمين في ذلك الوقت كان سبعين ألفًا من المسلمين، ولكن الروايات الغربية التي تحدثت عن هذه المعركة ذكرت أن عدد المسلمين كان 400 ألفًا، ومعظم الكتب العربية التاريخية لم تتحدث عن هذه المعركة باستفاضة، وذلك نظرًا لما تكبده المسلمين من خسائر كبيرة في هذه المعركة، ظل الغافقي ومن معه في الزحف؛ حتى وصلوا إلى مكان بين مدينتي تور وبواتيه.
وبدأت الحرب في هذا المكان بين جيش المسلمين، وجيوش الصليبيين، وهنا وجد الصليبيون ثغرة في مؤخرة جيش المسلمين، استغلوها في الهجوم عليهم منها، وأصابوا قائد جيش المسلمين عبد الرحمن الغافقي بسهم؛ فراح شهيدًا نتيجة هذا السهم، وتكبد المسلمون في هذه الحرب الكثير من الجرحى والقتلى، وتحكي الروايات التاريخية أن هذه الحرب قد استغرقت ما يقرب من عشرة أيام متواصلة.
وللمؤرخين في أوروبا وجهتان نظر مختلفة في هذه المعركة، إحداهما: إن انتصار الصليبيون على المسلمين في هذه المعركة نجا الصليبيون من الفناء، كما أنه نجا العالم كله من أن يكون في قبضة قادة المسلمين، والوجهة الثانية: إن هذه المعركة قد تسبب في تأخير النهضة الأوروبية الكثير من الزمان إلى الوراء.
