تقدم الموسوعة مقالًا عن جمع موضوعات حول الثورة المعلوماتية وكيفية خدمتها لعلوم الشريعة واللغة العربية ؛ فالعلومَ الشرعيةَ واللغة العربية أهم عاملان من عوامل المحافظة على القرآن الكريم؛ فاللغة العربية تعتبر الوعاء الثقافي للقرآن الكريم، ودراسة العلوم الشرعية تعتبر بيانًا للأحكام الشرعية المستنبطة من القرآن الكريم، ولقد ترك علماء اللغة العربية والعلوم الشرعية القدماء إرثًا علميًّا كبيرًا من الدراسات حول القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهَّرة، وهذا الإرث العلمي قد تفرَّق في شتى البلاد؛ نظرا لتفرق العلماء،وكان من الصعب بل من المستحيل جمع كل هذا الإرث العلمي في مكانٍ واحدٍ إلى أن جاءت تلك الثورة المعلوماتية، وأصبح هذا المستحيل مُمكِنًا.
لقد أيَّد الله عز وجل كل نبيٍّ من أنبيائه بمعجزةٍ من جنس ما برع فيه قومه، فأيَّد موسى بالسحر؛ لبراعة قومه فيه، وأيد عيسى بالطبّ؛ لبراعة قومه فيه، وأيد الحبيب المصطفى بالقرآن الكريم؛ لأنه-صلى الله عليه وسلم-قد بُعِث في قومٍ أهل فصاحةٍ وبيانٍ؛ فكان لزامًا أن تكون معجزته من جنس ما برع فيه قومه، فالقرآن الكريم نزل بلسانٍ عربيٍّ مبين، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يكتبون القرآن على جلود الإبل؛ حتى يحفظونه من الضياع، وأراد الله عز وجل للإسلام أن ينتشر في كل أرجاء الأرض، ويدخل فيه العجم الذين لا يعرفون اللغة العربية.
ومن خلال دخول العجم في الإسلام؛ بدأ ظهور اللحن (تحريف اللغة العربية)؛ فخاف الصحابة رضوان الله عليهم أن يلحق اللحن بالقرآن الكريم؛ فأمر سيدنا علي بن أبي طالب أبا الأسود الدُّؤَليّ في ضبط بعض القواعد؛ لحماية القرآن الكريم من اللحن؛ فجمع أبو الأسود الدُّؤلي تلك القواعد وعرضها على سيدنا علي -رضي الله عنه- له:ما أجمل هذا النحو الذي نَحت؛ فمن هنا سُمِّيَ النحوُ نحوًا.
ومن هنا بدأت الدراسات اللغوية حول القرآن الكريم، وقد بلغت هذه الدراسات أفضلها في العصر العباسي؛ فإن العصر العباسي كان مليئًا بالكثير من العلماء الذين تركوا إنتاجًا علميًّا ضخمًا في جميع المجالات العلمية، وكُتِب هذا الإنتاج العلمي في كتبٍ بخط المؤلف، أو بإملائه على طلابه، إلى أن جاء الحدث الأسوأ في تاريخ التراث العلمي للعرب، وهو حرق مكتبة بغداد على يد التتار؛ فقد حُرق في هذه الواقعة أكثر من مليون كتابًا، ومن هنا كان ضياع أكثر تراث العرب العلمي.
ورغم تلك الواقعة إلا أن الإنتاج العلمي لم يتوقف بعدها؛ فقد ظل العلماء يُؤلفون في كل المجالات العلمية، ولكن الصعوبة التي كانت تواجه الناس في اقتناء تلك الكتب، هو غلاء سعرها؛ لأن الناس كانوا يكتبون تلك الكتب على أيديهم؛ فكانت غالية الثمن؛ إلى أن جاء العصر الحديث، وجاءت الحملة الفرنسية إلى مصر ومعها مطبعة، فمن هنا عرف المصريون الطباعة، ثم أنشأ محمد على مطبعة بولاق.
وظهور تلك المطبعة كان ثورةً فكريَّةً؛ حيث أتاحت لهم الفرصة في إحياء كتب التراث؛ ومن هنا بدأت الطباعة في التطور؛ إلى أن وصلنا إلى تلك الثروة المعلوماتية، فقد أتاحت هذه الثروة في تجميع كل هذا التراث العلمي على الشبكة العنكبوتية على هيئة كتبٍ إلكترونية تُوافق الكتب المطبوعة، وقد وفرت الكثير من الجهد والوقت، فبضغطة رزٍّ واحدةٍ؛ تستطيع قراءة أي كتابٍ تحتاجه كأنه في يدك، بل وتحميل هذا الكتاب والاحتفاظ به، وهناك ما يُسمَّى بالمكتبة الشاملة، هذه المكتبة تحتوي على أكثر من مائة وعشرين ألف كتاب، ويصدر عنها إصدارات حديثة يُزاد فيها كُتُبٌ مع كل إصدارٍ جديدٍ، فمن هنا بدأ انتشار المنتديات والمواقع العلمية.
وكانت للثورة المعلوماتية أثرٌ كبيرٌ في العلوم الشرعية؛ فصار تحقيق الأحاديث، ونسبتها إلى أصحابها، والحكم على الحديث من حيث الصحة والضعف أيسر وأسهل من خلال تلك الثورة المعلوماتية التي أحدثتها التكنولوجيا الحديثة، وأصبح من السهولة واليُسر أن تطلع على عدة تفسيراتٍ لآيةٍ واحدةٍ في وقتٍ قصيرٍ، وإذا أردت الاستشهاد بآية من القرآن الكريم أو حديث من أحاديث النبي-صلى الله عليه وسلم-صار ذلك كله أيسر بكثيرٍ عن ذي قبلٍ.
وكثرت المواقع الإسلامية العالمية التي يُمكن من خلال الاطلاع على ما يخص الدين الإسلامي من محاضراتٍ صوتيةٍ، أو مُصوَّرةٍ، أو كتبٍ، أو التواصل مع الأشخاص، وإقامة حوار متبادل في إظهار الحق والباطل، وهذا الشيء ساعد على انتشار الإسلام في جميع أرجاء العالم، وظهرت التطبيقات الشرعية، والعربية؛ فيمكنك تحميلها على جوالك، ومن هذه التطبيقات يمكنك تحميل تطبيقات القرآن الكريم وتفاسيره، والسنة النبوية، وهذا كله بفضل الثورة المعلوماتية التي ظهرت بظهور التكنولوجيا الحديثة.