الخليفة الذي جمع المسلمين على مصحف واحد هو عثمان بن عفان، الخليفة الثالث في الخلافة الراشدة. قام بتوحيد نسخ القرآن الكريم وتوزيعها على جميع المدن الإسلامية، بهدف حفظ القرآن وضمان وحدة المسلمين في تلاوته وفهمه.
قصة حذيفة بن اليمان مع عثمان بن عفان تجسّدت في لحظة تأملية تحمل في طياتها دروسًا عظيمة في توحيد القرآن. وقف حذيفة متأملًا على اختلافات في القراءة، فنصح عثمان بتوحيد المصاحف. عثمان رضي الله عنه استشار شورى الأمة، وشاور علماء الصحابة، وأخذ رأي الجميع، حتى جمعوا الأمة حول ورقة واحدة. وبهذا أكّدت هذه الخطوة على وحدة الأمة وتماسكها، مع إظهار قيادة حكيمة وتعاون جماعي في حفظ وتوحيد كتاب الله.
ما قدمه الشيخ المحقق محمد صادق عرجون حول المصاحف العثمانية يسلّط الضوء على تاريخ تلك الصحف وتطور القراءات القرآنية. كانت صحف الصديق لم تكن مكتملة بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ولكنها كانت تعكس حكمة الله في تسهيل قراءة القرآن لأمّة الأمية. عثمان رضي الله عنه قام بجمع وتوزيع المصاحف بين المدن، وكان مع كل مصحف شخص يرشد الناس إلى قراءاته. هذا الجهد الهائل في حفظ القرآن يبرز رعاية الله لكتابه ووعده بحفظه.
القرآن نزل على مراحل متعددة، حيث أولاً نزل إلى اللوح المحفوظ، ثم إلى بيت العزة في السماء، وأخيرًا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجمًا ومفرقًا حسب الحوادث. هذه المراحل الثلاث موضحة بوضوح في كتاب “مباحث في علوم القرآن” للشيخ الدكتور صبحي الصالح.
تم جمع القرآن الكريم على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: جمع في العهد النبوي الشريف، حيث كان يكتب الآيات ويتم ترتيبها ووضعها في مكانها الخاص في السور. وكانوا يستخدمون العسيب واللخاف والرقاع للكتابة، نظرًا لعدم شيوع صنع الورق في ذلك الوقت.
المرحلة الثانية: جمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث تم توثيق القرآن بشكل مكتوب وتنظيمه في مصاحف، لتسهيل حفظه وحفظ كلماته.
المرحلة الثالثة: جمع في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث تمت مراجعة النسخ المكتوبة وضبطها وتوحيدها، وذلك للحفاظ على تواتر النص والتأكد من دقته.
في العهد النبوي، كانت الآيات تُكتب على العسيب واللخاف والرقاع، وهذا الجمع كان يهدف إلى زيادة التحري في ضبط ألفاظ القرآن وتسهيل حفظه.
عثمان بن عفان، الصحابي الجليل وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رابع من أسلم ومن أكثر المنفقين في سبيل الله. بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، واشتهر بتواضعه وعفته ورقته. عندما تولى الخلافة بعد عمر بن الخطاب، نهض بالاقتصاد الإسلامي وجمع القرآن في نسخة واحدة. وقد استشهد في منزله بالمدينة عام 35 للهجرة ودُفن في البقيع.
عثمان بن عفان، الذي ينتسب إلى قبيلة قريش من الفرع الأموي، هو الصحابي الجليل والصهر لرسول الله – صلى الله عليه وسلم. وقد أطلق عليه لقب “ذي النورين” نظرًا لزواجه من ابنتي الرسول، رقية وأم كلثوم. كان ثالث خلفاء الراشدين بعد أبي بكر وعمر، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان من السابقين إلى الإسلام. كما كان أحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب للتشاور في أمور الخلافة بعد وفاته.
وُلد عثمان لأبوين غنيين، وتربى في بيئة من الرفاهية والتجارة. وكان والده عفان بن أبي العاص من الأغنياء والتجار البارزين في مكة. أما والدته فكانت الصحابية الجليلة أروى بنت كريز، وهي عمة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم. بعد وفاة والده، تولى عثمان التجارة وتميز بالثراء والشهامة.
وتُوفيت أمه، أروى، وهو عثمان في أثناء خلافته، ودُفنت في المدينة المنورة.
ولد الصحابي الجليل عثمان بن عفان في سنة 576 ميلادية في مدينة الطائف، بعد حدوث حادثة الفيل بست سنوات، أي بعد مولد النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – بست سنوات.
تربى عثمان في بيئة قريشية متميزة بالنبل والشهامة والسخاء، ونال لقب “أنسب قريش لقريش”. كانت مجالسه مع أصدقائه المقربين، مثل أبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن الزبير بن العوام، تتميز بالمال والتواضع والخلق الحسن.
تزوج عثمان تسع نساء، وأنجب منهن تسعة أولاد وست بنات، ومن بين زوجاته رقية وأم كلثوم، ابنتا النبي محمد – صلى الله عليه وسلم.
كان مظهره جميلًا، بوجه مليء بالجمال، طويل القامة وشعر كثيف يتغطى به ذراعيه، كما كانت لحيته كثيفة ولكنها رقيقة، وكانت بشرته ناعمة وأنفه أنيق ولونها فاتح، وكانت ساقيه ضخمتين ولكن لديه انفراج في قدميه، وعندما كبرت لحيته بدأ يصبغها باللون الأصفر، وعندما كادت أسنانه تسقط كان يقوم بتثبيتها بالذهب.
عُرِف عثمان بن عفان بأخلاقه الحميدة، وحياؤه الشديد وكرمه وحكمته وعقلانيته، ونقائه، وسخاء إنفاقه في سبيل الله، وكان محترمًا ولطيفًا في تعامله وكان يتصف بالود والطيبة.
وفي الجاهلية كان سيدًا لقومه ووجههم البارز وكان محبوبًا بينهم، ورغم أنه نشأ في بيئة غنية فإنه كان متواضعًا، كان من أكثر أهل قريش علمًا بالأنساب وأحوالها، وكان رأيه محترمًا فكانوا يلجؤون إليه في قضاياهم ويثقون في رأيه.
لم يقترف أبدًا أي فاحشة، ولم يتناول الخمر، ولم يسجد لأي صنم، ولم يقم بقتل أحد، ولم يأكل لحم ميتة، وكان لسانه نقيًا، وعاش في راحة ووفرة في الجاهلية وفي الإسلام، كما كان يمتاز بالسماحة في التجارة والتعامل، وكان يرضى بالربح القليل، ويكره التجارة الجشعة واستغلال الناس، وكان يساعد الفقراء ويدعم التجار الصغار.