نتحدث في موسوعة عن أحد أهم شعراء العصر الأموي وأشهرهم وهو جميل بن معمر وقد عرف بلقب (جميل بثينة)، كان يقيم في قبيلة عذرة الموجودة بوادي القرى بين المدينة والشام، وفيها كانت تعيش ابنة عمه (بثينة بنت حيان) التي أحبها بشدة ولذلك كتب فيها الكثير من أبيات وقصائد الحب حيث كان مرهف الإحساس ورقيق القلب، كما عرف عنه الفصاحة التي تجمع بين الرواية والشعر.
ولد جميل في نهاية أعوام تولي عثمان بن عفان الخلافة، وقد اشتهر بكتابة الشعر العذري وهو أحد أنواع الأدب في التاريخ العربي الذي يركز على الغزل البريء العفيف بعيداً عن وصف الجسد من خلال التعبير عن العواطف الجياشة التي يشعر بها الشاعر تجاه حبيبته.
جميل بن معمر
هو جميل بن عبد الله بن مَعْمَر العُذْري القُضاعي ولد عام سبعمائة وواحد ميلادية في قبيلة عذرة واحدة من قبائل العرب تعود نسبتها إلى قضاعة، كان أبرز فصحاء العصر الأموي وكانت كنيته أبي عمرو، وكان له السبق في رواية الأبيات الشعرية لـ(هدبة بن خشرم)، وكانت قصائده تدور حول موضوع شديد التأثير في حياته وهو حب بثينة التي ظل يكتب فيها أشعاره إلى أن توفي حزيناً مكسور القلب لعدم تلاقيهما إلى آخر عمره.
تقدم جميل لخطبة بثينة لكن طلبه قد تمت مقابلته بالرفض من قبل والدها (حيان بن ثعلبة العذرية) مما زاد من إصراره على حبها وكتابة الأشعار لها فراح والدها يشكوه للوالي فأهدر الوالي دمه، وعلى الرغم من ذلك لم يتوقف عن حبها وقول الشعر فيها.
جميل يتغزل ببثينة
بعد أن قرر الوالي إهدار دمه خرج من قبيلته هائماً في الأرض بين البلاد العربية، وبين الحين والآخر كان يزور قبيلته سراً بمساعدة من أخيه كلما سنحت له الفرصة، ونفي ذات مرة طلب جميل من أخيه أن يرسل إلى بثينة خبراً برغبته في لقائها.
طلب منه أخيه علامة يخبرها لها لكي تثق في كلامه فأخبره أن يقول لها بيت الشعر التالي: (وَقُلتُ لَها يا عَزَّ أَرسَلَ صاحِبي إليك رسولاً والرسول موكل بَأَن تَجعَلي بَيني وَبَينَكِ مَوعِداً وأن تأمريني بالذي فيه أفعل).
حينما سمعت بثينة بيت الشعر علمت على الفور أن جميل بن معمر هو قائله فذهبت لمقابلته وظلا معاً حتى أشرق الصباح في الوادي، وكان كلما تحدث عنها في شعره ذكر كرم أهلها وأهله رغم معارضتهم اجتماعهما وزواجهم وهو دليل على مدى حسن خلقه.
شرح قصيدة جميل بثينة
نعرض لكم في الفقرة الآتية شرح مبسط ومختصر للفكرة العامة التي تدور حولها قصيدة جميل بثينة:
يتمنى الشاعر ويحلم بأن تعود الأيام التي قد مضت وكان يقابل بها بثينة، فيسأل نفسه في حيرة هل أعود إلى الوادي التي تسكن به أراها مرة واحدة وهي السعادة التامة بالنسبة لي، وهل إن رأيتها ستبادلني الحب والمودة مجيباً على نفسه أنه لن يستسلم لليأس فلا تدنوا حاجة من متمني أصابه اليأس.
يكمل قوله واصفاً حب بثينة الذي أصاب قلبه منذ الصغر وكلما تقدم به العمر كبر ذلك الحب بداخله ونما، فقد أفنى عمره في محاولة وصالها دون فائدة ولا أملٍ.
ورغم عدم مبادلته الاهتمام سيظل يذكرها بحبٍ فطلبه منها أن ترد إليه ما ذهب من عقل في عشقها أمرٌ مرفوض ومناله بعيد.
فلا هو قد سعد بحبها وناله ولا نسيه وعاش مرتاح البال والقلب فكلما التقيا تهدأ نار حبه المشتعلة وفور فراقهم تشتعل من جديد.
وبعد أن وصل إلى والي مصر (عبد العزيز بن مروان) أبيات جميل في مدح شعره وراجحة عقله وحكمته في إدارة شؤون البلاد دعاه إلى القدوم لمصر حتى يقابله وجلس جميل بين يدي بن مروان وأمر بتشييد منزل له بمصر حتى توفي عام (82هجرية) وحب بثينة يملأ قلبه.
