يوجد للعديد من الأنبياء والمرسلين بعض الألقاب والصفات، والتي تميزهم عن غيرهم من الرسل، سواء كانت بمعجزات خاصة بهم، أو مزايا أخرى، ومن بين تلك الأسماء هي كليم الله، والمقصود بها سيدنا موسى- عليه السلام-، ولكن ما سبب تسمية موسى بكليم الله؟ ويهتم موقع الموسوعة العربية الشاملة بعرض كل ما يتعلق بتلك التسميات.
اختص الله -عزّ وجلّ- النبيّ موسى -عليه السلام- بفضلٍ عظيم لم يختص به أحد، حيث تكلّم الله -تعالى- مباشرةً معه في الأرض، وذلك لحكمةٍ بالغةٍ لا يعلمها إلا الله تعالى.
ولهذا سُمي موسى -عليه السلام- بكليم الله، إذ أكرمه الله -عزّ وجلّ- وتكلّم معه من فوق سبع سموات مباشرةً دون وحي أو واسطةٍ بشريةٍ كأنبياء ورسل آخرين.
وقد دلّ على ذلك قول الله تعالى في محكم كتابه: “وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَى تَكْلِيمًا”، وفي هذا التفضيل قال الله تعالى: “تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ”.
فهذا الاصطفاء والتخصيص ما جاء إلّا لنبيّ الله موسى -عليه السلام-، ومنه سمي بالكليم، أو كليم الرحمن، أو كليم الله.
كان النداء الإلهي لموسى -عليه السلام- في وادي طوى، وهو وادٍ في أرض سيناء في بلاد مصر، حيث أطلق عليه الله -عزّ وجلّ- وصفةً بالوادي المقدس، وهو مكان مبارك وطاهر، حيث سمع موسى -عليه السلام- كلام الله -عزّ وجلّ-.
يطلق لقب “كليم الله” على النبي موسى -عليه السلام-؛ لأن الله تكلّم معه مباشرةً وأوحى إليه برسالته. ويعني لفظ “كليم الله” بحسب معجم المعاني العربية الشخص الذي يتلقى الحديث من الله، وفي هذا السياق يشير إلى نبي الله موسى -عليه السلام- الذي اصطفاه الله وتحدث معه بنفسه، كما ذكر الله في القرآن الكريم: “قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ” [الأعراف: 144].
عند وصول النبي موسى -عليه السلام- إلى جبل الطور، تكلّم الله تعالى معه وأوحى إليه بعدة أمور، ومن بينها:
تكلّم الله تعالى مع النبي موسى -عليه السلام- في عدة أماكن، ومن بينها جبل الطور الذي يقع في سيناء بأرض مصر، حيث كلّمه الله بصوت يصل إلى مسامعه، وذلك يدل عليه قوله تعالى في سورة مريم: “وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا”، وفي سورة المؤمنون ذكر الله أن الشجرة التي تنبت بالدهن تخرج من جبل الطور.
وكذلك تكلّم الله تعالى مع النبي موسى -عليه السلام- عند الميقات الموعود، وهي الوقت الذي تم الاتفاق عليه بين الله وموسى للقاء، وذلك يدل عليه قوله تعالى في سورة الأعراف: “وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ”.
كما ذكر الله تعالى في سورة النمل وسورة طه أنه نادى موسى -عليه السلام- عندما أراد إعطائه رسالته، وذلك يدل عليه قوله تعالى: “إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون* فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين” و “فلما أتاها نودي يا موسى* إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى”.
نبيّ الله موسى -عليه السلام- يتمتع بمكانة خاصة في تاريخ التشريعات السماوية، فرسالته -عليه السلام- كانت خاصة وصعبة، إذ بعث إلى فرعون الذي كان أحد أكبر الطغاة على الأرض حينها، وقومه الذين كانوا على عقيدة قديمة.
ومن بين الأمور التي اصطفى الله تعالى بها نبيه موسى: أنه من أولي العزم، وأنه كان يملك الكثير من العلم والحكمة، وأن الله تعالى برأه من أقوال أعدائه، وأنه آتي بالتفصيل في كل شيء. كما غفر الله له قتله القبطي، وجعله مستجاب الدعاء -عليه الصلاة والسلام-.
ألهم الله -تعالى- نبيه موسى -عليه السلام- بعدد من المعجزات، وكانت منها معجزة العصا التي تمثلت في العديد من الأمور، مثل انقلاب العصا عندما يلقيها لتصبح حية ورجوعها عصا عندما يأخذها بيده، وأكلها الحبال التي ألقاها السحرة، ولقيها للبحر عندما ضرب بها بإذن الله، وتفجيرها للماء من الحجر الذي يُضرَب فيها، وهناك أمور أخرى ذكرها بعض المفسرون لكنها لم تثبت.
ابتلاء الله -تعالى- بني إسرائيل بعدد من الآيات، كانت منها حبس المطر عنهم ونقص الثمرات، والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، وتشير هذه الآيات إلى مصائب وابتلاءات تعرضوا لها بسبب شركهم وعبادتهم للعجل.
من بين المعجزات التي حصل عليها موسى -عليه السلام- كانت معجزة جبل الطور، حيث اختار سبعين رجلاً من قومه ليعتذروا إلى الله -تعالى- عن قومهم بسبب شركهم وعبادتهم للعجل، وعندما طلب منهم أن يأخذوا الألواح من عند الله بقوة وعزم، قارب الجبل على الوقوع عليهم ولكنهم خروا ساجدين وكشف الله عنهم العذاب.
وكانت هناك معجزة أخرى حيث أحيى الله -تعالى- على يد موسى -عليه السلام- شخصاً كان قد قُتل من بني إسرائيل، وكانوا يتمنون موته، ولكن عندما طلب منهم أن يضربوا الميت بجزء من بقرة، فعندما قاموا بذلك، أحياه الله -تعالى- وأعاده إلى الحياة.
وأخيراً، كانت هناك معجزة الطمس حيث طمس الله -تعالى- على أموال بني إسرائيل من الدراهم والدنانير بحيث تحولت أموالهم وأرزاقهم إلى حجارة.
تُنَزِّل الله -تعالى- المعجزات على يد أنبيائه ورسله كدليل على صدق دعوتهم، وليتحدّوا بها المكذِّبون بهم من أقوامهم، فعادةً ما تكون أمورًا خارقةً للعادة يظهرها الله -تعالى- على يد أنبيائه.
وتكفي عادةً معجزةً واحدةً لتكون برهانًا على صدق نبوَّة نبيٍّ من الأنبياء. ولا علاقة بين كثرة المعجزات لنبيٍّ معين وبين منزلته ومستوى تكريمه عند الله -تعالى-.
فها هو أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- لم يأتِ بمعجزاتٍ أكثر من سيدنا موسى -عليه السلام- الذي استدعت طبيعة قومه وغلظتهم، وشدة تكذيبهم له، وعتوِّ قائدهم فرعون، تأييده بالعديد من المعجزات ليصدِّقوه، بالإضافة إلى أنَّ موسى -عليه السلام- أُرسِل لقومه ولغيرهم.
أما الأنبياء السابقون فقد أرسلوا لأقوامهم، ومن الأسباب كذلك جهْل قوم فرعون الذي كان أعظم من جهل سائر الأقوام مما اقتضى تأييد موسى -عليه السلام- بعدد أكبر من المعجزات ليصدِّقوه.
وقد تكرر ذكر قصة موسى -عليه السلام- في القرآن الكريم، فقد ذُكر اسمه أكثر من مئة وثلاثين مرة، وذُكرت قصته في سور مكية، منها مطولةً، ومنها مختصرةً.
والسر في ذلك هو أنَّ قصته أشبه قصةً من قصص الرسل الكرام، بقصة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث بعث كل منهما بشريعةٍ دينيةٍ ودنيويةٍ، ولأجل تكوين وإعداد أمةٍ عظيمةٍ لها ملكٌ وحياةٌ مدنيةٌ.