جاء إعراض الكفار في سورة الفرقان بسبب ما ذكرته الآية الكريمة في السورة وهي: “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُواْ ظُلْماً وَزُوراً”.
حيث تيقن الكفار من أن القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على عباده.
سورة الفرقان سبب نزولها
سورة الفرقان هي سورة مكية، أي نزلت في مكة المكرمة، ويبلغ عدد آياتها 77 آية، وترتيبها الـ 25 بين سور المصحف، وتقع في الحزب الـ 36 والحزب الـ 37 في الجزء الـ 19، وقد جاءت السورة قبل سورة فاطر، وبعد سورة يس، بعد الهجرة إلى الحبشة وقبل رحلة الإسراء والمعراج، وهي الفترة التي عانى فيها المسلمين من قسوة المشركين عليهم سعيًا منهم للقضاء على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وليس هناك سبب صريح لنزول سورة الفرقان بالكامل، فقد ذكرت كتب التفسير سبب نزول بعض آيات تلك السورة وهي:
حيث نزلت آية: “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا“، بسبب الحزن الذي أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما استهزأ به المشركون من الفاقة التي كانت تصيبه، فكانت تلك الآية بمثابة مواساة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم.
نزلت آية: “وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا“، في ابن أبي خلف، والذي وبخه عقبة بن أبي معيط، لحضوره مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم إيمانه به.
نزلت آية: “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّـهِ إِلَـهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا“، عندما ازداد الزنا والقتل بين قوم من المشركين، والذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة”.
نزلت آية: “تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا“، عندما جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله له أن هناك ملكًا لم يسبق له النزول إلى الأرض ويريد زيارته، فأذن له الرسول، فدخل وألقى السلام عليه، ثم قال للرسول: “إن الله يخيرك إن شئت أن يعطيك من خزائن كل شيء ومفاتيح كل شيء لم يعط أحدًا قبلك، ولا يعطيه أحدًا بعدك، ولا ينقصك مما دخر لك عنده شيئا”، فرفض الرسول، وقال أنه يُفضل الآخرة، فنزلت تلك الآية.
نزلت آية: “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ“، عندما ذهب مجموعة من المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلنوا له توبتهم، ورغبتهم في عملًا يكفر لهم عن سيئاتهم.
مقاصد سورة الفرقان
هناك العديد من المقاصد التي تضمنتها سورة الفرقان وهي:
أثبتت سورة الفرقان أن القرآن الكريم أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنه قرآن صادق، وأثبتت أن الطريق الذي سار عليه الرسول عليه الصلاة والسلام سبق وأن سار عليه غيره من الأنبياء والرسل.
أثبتت سورة الفرقان أن جميع الناس في الآخرة سيبعثون ليلقون جزائهم، وأن الصالحين سينالون البشارة في الآخرة، وأن المشركين سيلقون نتيجة أعمالهم السيئة، وأنهم سيعضون أياديهم من الندم بعد أن أشركوا بالله تعالى وكذبوا رسوله.
من أهم الدعائم التي أثبتتها سورة الفرقان أن الله تعالى هو الواحد الأحد، متنزه عن الشريك والولد ومتفرد بالخلق، وهو ما يُبطل عبادة الأصنام، وكل ما زعمه الكفار عن ذلك.
من دعائم سورة الفرقان أن القرآن الكريم نزل متفرقًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقاه على فترات، حتى يتلوه المؤمنون بحق، وليثبت في قلوبهم ويُحفظ في صدورهم.
بيان أن الرسالة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للعالم أجمع، فلم تقتصر تلك الرسالة على العرب فقط أو فئة معينة من الناس.
بيان أن من مهام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبشير من آمن بالله وسار على درب الحق والهدى بالفوز والفلاح، وإنذار كل من كفر بالله تعالى وأشرك به وكذب رسله بعقاب من الله عز وجل.
فقد سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه هشام بن حكيم رضي الله عنه، وهو يقرأ سورة الفرقان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان ما يقرأه مخالف لما تعلم عمر قراءته من النبي، فرغب عمر الإمساك برأسه خلال الصلاة، ولكنه انتظر حتى ينتهي من صلاته.
وعندما فرغ هشام بن حكيم رضي الله عنه من صلاته، أمسكه عمر بن الخطاب من مجامع رداءه من ناحية عنقه وجره منها، وسأله عن الذي أقرأه السورة التي قرأها في الصلاة، فأخبره هشام أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يصدقه عمر بن الخطاب، وقال له أن الرسول قرأها بخلاف ما قرأها هو.
ثم جر عمر بن الخطاب هشام بن حكيم من رداءه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما حدث، فأمره عليه الصلاة والسلام بتركه، ثم طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من هشام قراءة السورة، فقرأها هشام مثلما قرأها أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال الرسول “كذلك أُنزلت”.
ثم طلب الرسول من عمر أن يقرأها، فقرأها على خلاف ما قرأ هشام، فقال عليه الصلاة والسلام “كذلك أُنزلت”.
ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل بسبع لهجات، وذلك بهدف التيسير على المسلمين.
أسئلة شائعة
ماذا طلب الكفار من الرسول في سورة الفرقان؟
طلب الكفار من الرسول صلى الله عليه وسلم في سورة الفرقان أن يكون له كنزًا أو يأكل من الجنة أو البستان.
ماذا قال الكفار عن القرآن في سورة الفرقان؟
قال الكفار عن القرآن الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كذب وافتراء، وأن الرسول استنسخ قصص وأساطير الأولين.