يوجد للعمرة أركاناً يجب من القيام بها وتحقيقها، إلا أن علماء المذاهب الفقهية الأربعة قد اختلفوا في تحديد تلك الأركان، مع الإجماع فيما بينهم على أن الإحرام هو الركن الأول والرئيسي لبداية العمرة، وسنعرض لكم تلك الآراء فيما يلي.
فقد ذهب المالكية والحنابلة إلى الحكم بأن العمرة هي ثلاثة أركان فقط، وتلك الأركان هي الإحرام ثم الطواف ثم السعي بين الصفا والمروة.
كما عرض الشافعية إلى القول بأن العمرة يصل أركانها إلى خمسة أركان، ألا وهي تقصير الشعر والحلق والإحرام والطواف والسعي.
أما الحنفية فيرون أن العمرة ركناً واحداً فقط، وهذا الركن هو الإتيان بأربعة أشواط فأكثر من الطواف، ويعتبرون الإحرام شرطاً للعمرة، وليس ركناً من أركانها، أما فيما يخص السعي بين الصفا والمروة، ثم التحلل من الإحرام فهو من الواجبات.
سنعرض لكم فيما يلي كيفية أداء الأركان الثلاثة الأساسية، بحكم أن المذاهب الأربعة اتفقوا على وجوب القيام بها، بغض النظر عن حكمهم عليها، وتلك الأركان هي كما يلي.
الإحرام
يعرف العلماء الإحرام بأنه نية الدخول في العمرة، والذي يسن فيه أن يقوم المعتمر بالتلبية، وهي قوله “لبيك اللهم لبيك”.
شروط الإحرام
يشترط في الإحرام الإسلام والنية على الإحرام.
مستحبات الإحرام
ترك لنا رسولنا الكريم- ﷺ- سنة تهدينا وترشدنا في كل أفعالنا وأقوالنا، وفيما يخص الإحرام، فقد كانت من سنة رسول الله- ﷺ- الاغتسال بأي كيفية، وقص الشارب والأظافر، مع جذ شعر الإبط، كما قد سن رسولنا الكريم- ﷺ- لبس ملابس الإحرام- وهي ملابس تتكون من الإزار والرداء للرجال-، والأفضل أن تكون تلك الملابس بيضاء جديدة مغسولة.
كما قد سن لنا رسولنا الكريم- ﷺ- أن نقوم بلبس النعل، وصلاة ركعتين بنية سنة الإحرام، كما قد سن رسولنا الكريم- ﷺ- بأن يقوم الرجل برفع صوته في التلبية، أما النساء فعليها خفض صوتها، وتستمر التلبية طوال الطواف، كما يحل للمحرم خلع ملابس الإحرام أو تغييرها، والمرأة لها ارتداء ما شاءت ما دامت تغطي عورتها.
محظورات الإحرام المشتركة بين الرجال والنساء
نهانا الإسلام بعد أن نحرم فعل بعض الأمور التي تعد من الأمور المباحة في العادة، وتلك الأمور هي محظورات الإحرام، ومن بين تلك المحظورات ما هو خاص بالرجال فقط، ومنها ما هو خاص بالنساء فقط، ومنها ما هو مشترك بينهم، ومن بين المحظورات المشتركة ما يلي.
حلق شعر الرأس أو قصه أو نتفه: وذلك بالعودة إلى قوله -تبارك وتعالى-: (وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (سورة البقرة الآية 196)، كذلك يعد من المحظورات شعر أو إزالة باقي شعر الجسم.
مس الطيب: فمن المحظورات أن يمس المحرم الطيب، سواء على بدنه أو ملابس إحرامه، ويرجع ذلك الرأي لقول رسول الله- ﷺ-: (اغْسِلُوهُ بمَاءٍ وسِدْرٍ*، وكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيْنِ، ولَا تَمَسُّوهُ طِيبًا، ولَا تُخَمِّرُوا* رَأْسَهُ، ولَا تُحَنِّطُوهُ*، فإنَّ اللَّهَ يَبْعَثهُ يَومَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا) (حديث صحيح)، وهذا يعني أن المحرم لا يمسه الطيب أبداً حتى يحل من إحرامه.
إبرام عقد النكاح: فمحرم على المحرم أن يبرم عقد الزواج، سواء كان لنفسه أو لغيره بالوكالة، وذلك لقول رسول الله- ﷺ-: (الْمُحْرِمُ لا يَنْكِحُ، ولا يَخْطُبُ) (حديث صحيح).
صيد البر أو الإعانة على صيده: أما فيما يخص صيد البحر فهو جائز، وذلك لقول الله- تبارك وتعالى-: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (سورة المائدة الآية: 96).
الشهوة ما بين الرجل وزوجته: سواء كانت باللمس أو التقبيل، وبالتبعية الجماع أيضاً.
محظورات الإحرام الخاصة بالرجال
تغطية الرأس أو بعضه إلا لعذر: وحتى ولو بالاستظلال، فما للرجال إلا الاستظلال بمظلات بعيدة عن الرأس، فهذا هو الجائز.
لبس المخيط أو المحيط: فلا يلبس المحرم أي لبس به مخيط، أو أي لباس يغطيه كله بقطعة واحدة كالعباءة أو البردة التي تصل إلى الكعبين، وإنما يلتزم بزي الإحرام,
محظورات الإحرام الخاصة بالنساء
أما محظورات النساء فهي ارتداء النقاب أو البرقع أو القفازين، ولكن يجوز للمرأة إنزال شيء من وجهها؛ حتى لا يراها الأجانب, حتى وإن مس وجهها، وذلك في رأي المالكية والحنابلة، ولكن كان رأي الحنفية والشافعية كان اشتراط عدم ملامسة الساتر وجهها، وكان ذلك اعتماداً على حديث رسول الله- ﷺ-: (ولَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ) (حديث صحيح).
الطواف
يعد الطواف هو الدوران حول الكعبة، كما قد وضع العلماء بعض الشروط الخاصة بالطواف، والتي يعود مصدرها إلى السنة النبوية الشريفة، وتلك الشروط هي كما يلي.
شروط الطواف
يجب على المعتمر أن يطوف ببيت الله الحرام سبعة أشواط، ففي حالة أنه قام بالطواف أقل من ذلك فلا يصح، ويجب عليه الإعادة.
يجب أن تكون الكعبة إلى يسار المعتمر، وعليه أن يبدأ أشواطه من الحجر الأسود، وينتهي من أشواطه السبع عنده، وأن يكون داخل المسجد، ومساحة الطواف، ولكن خارج الكعبة نفسها.
يجب على المعتمر أن ينوي الطواف.
يجب على المعتمر ستر العورة والطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، وطهارة الثوب والمكان.
سنن الطواف
حثنا رسولنا الكريم- ﷺ- على استقبال الحجر الأسود عند البدء بالطواف، وتقبيله قدر الاستطاعة.
كما حثنا- ﷺ- على أن ندعو بقولنا “بسم الله، والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد- ﷺ-“.
من السنة أيضاً استلام الركن اليماني دون تقبيله.
كما سن لنا رسولنا الكريم- ﷺ- الإسراع في الأشواط الثلاثة الأولى.
كما يسن على الرجل الاضطباع، وهو أن يجعل المحرم وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر.
كما يعد الدعاء من السنن المستحبة في الطواف.
يسن للمعتمر بعد الانتهاء من الطواف، أن يقوم بصلاة ركعتين خلف مقام أبي الأنبياء إبراهيم- عليه السلام-، ففي حالة أنه لم يستطع القيام بذلك، فيجوز له الصلاة في أي مكان في المسجد، ويقرأ في هاتين الركعتين سورة الكافرون في الركعة الأولى، وسورة الإخلاص في الركعة الثانية بعد قراءة سورة الفاتحة.
السعي بين الصفا والمروة
السعي بين الصفا والمروة هي الإسراع في المشي بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ويعد هذا الجزء أحد أركان العمرة، والدليل على ذلك قول المولى- سبحانه وتعالى-: (إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (سورة البقرة الآية 158)