يحرص كل مسلم على معرفة ما هي مبطلات الوضوء، لذلك نجد الكثير يتساءل هل الغفوة تنقض الوضوء ؟
فهناك من يكون على وضوء وقد يدخل في غفوة صغيرة دون عمد، فيستيقظ لا يعرف هل نُقض وضوءه أم لا.
والحقيقة أن هناك خلافًا بين العلماء حول ما إذا كان النوم من نواقض الوضوء أم أنه لا يؤثر عليه.
هناك من العلماء من أكد على أن النوم من نواقض الوضوء، واستدلوا في ذلك إلى ما جاء في حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه في السنن ، قال : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ ) رواه الترمذي (89) وحسنه الألباني.
هل النوم الخفيف يبطل الوضوء
أما عن أقوال العلماء حول تأثير النوم الخفيف على النوم فقد جاءت على النحو التالي:
يقول كلًا من إسحاق والمزني والحسن البصري وابن المنذر أن النوم ينقض الوضوء، سواء كان نومًا عميقًا أو غفوة، واستندوا في ذلك إلى حديث صفوان بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه المتقدم والذي ذكر أن النوم ينقض الوضوء، دون أن يحدده بحالة معينة.
يقول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وسعيد بن المسيب أن النوم لا ينقض الوضوء إطلاقًا، واستندوا في ذلك لحديث أنس بن مالك : أن الصَّحابة رضي الله عنهم ( كانوا ينتظرون العِشاء على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حتى تخفِقَ رؤوسهم ثم يُصلُّون ولا يتوضؤون ) رواه مسلم.
أما الرأي الثالث هو رأي جمهور العلماء الذين استندوا إلى الأدلة السابقة في الحكم على تأثير النوم على الوضوء، حيث بينوا أن هناك حالات معينة يصبح فيها النوم من نواقض الوضوء، وحالات لا ينقض فيها النوم الوضوء.
حيث يقول الحنفية والشافعية أن من ينام وهو متمكن من جلوسه على الأرض لا يُنقض وضوءه، وإن لم يتمكن من جلسته على الأرض فقد نُقض وضوءه.
ويقول الحنابلة أن النوم اليسير من القاعد والقائم لا ينقض الوضوء، وبخلاف ذلك يُعد النوم من مبطلات الوضوء.
ويقول مالك ورواية عن أحمد أن النوم الكثير ينقض الوضوء، ولكن الغفوة لا تنقضه.
غفوه نص ساعة تبطل الوضوء
لتحديد ما إذا كان النوم قد نقض الوضوء أم لا، لا بد من توضيح الفرق بين النوم الكثير والنوم القليل أو الغفوة.
فالنوم الكثير هو النوم الذي يستغرق فيه الإنسان، فلا يشعر بالحدث إذا أحدث.
أما النوم القليل أو الغفوة، فهو النوم اليسير أو القليل، والذي إذا أحدث فيه الإنسان شعر بما أحدث، مثل خروج الريح.
وهذا هو الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن باز وابن عثيمين وعلماء اللجنة الدائمة.
ولذلك فإن حديث أنس رضي الله عنه يدل على أن النوم اليسير الذي يشعر فيه الإنسان بالحدث إذا حدث لا ينقض الوضوء.
وحديث صفوان بن عسال يدل على أن النوم المستغرق الذي لا يشعر فيه الإنسان بالحدث هو ناقض للوضوء.
وهذا ما يؤكده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “العين وِكَاء السَّهِ ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ) رواه أحمد”.
هل النعاس ينقض الوضوء
لفظ النعاس يرادف الغفوة، وهو النوم الخفيف الذي لا يذهب معه الشعور، وفيه يخفض الإنسان رأسه، ويغمض عينيه، ولكنه يسمع الأصوات، ولا يزول شعوره بالكلية.
وهذا النوع من النوم لا ينقض الوضوء.
النوم لا ينقض الوضوء مطلقًا
النوم الذي لا ينقض الوضوء هو النوم اليسير، الذي يشعر فيه الإنسان بمن حوله، ويشعر بنفسه إذا أحدث.
هل النوم على الكرسي ينقض الوضوء
لا يُستند إلى الهيئة التي نام عليها الإنسان في تحديد مدى نقض وضوءه، بل يُستند إلى حالة نومه وهل كان نوم يسير أم مستغرق.
فالنوم المستغرق ينقض الوضوء، بصرف النظر على وضع النائم وهل هو جالسًا على كرسي أو مضطجعًا أو قائمًا أو ساجدًا.
وقد قال قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى: “النوم إذا كان كثيرًا بحيث لا يشعر النائم لو أحدث، فأما إذا كان النوم يسيرًا يشعر النائم بنفسه لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء، ولا فرق في ذلك أن يكون نائمًا مضطجعًا أو قاعدًا معتمدًا أو قاعدًا غير معتمد، فالمهم حالة حضور القلب، فإذا كان بحيث لو أحْدث لأحسَّ بنفسه فإن وضوأه لا ينتقض، وإن كان في حال لو أحْدث لم يحسَّ بنفسه، فإنه يجب عليه الوضوء”.
الشك في النوم ينقض الوضوء
إذا شك المتوضأ في نومه، فلا يتقين من حالة نومه وهل كان نومًا يسيرًا أم مستغرقًا؛ فلا يُنقض وضوءه.
فقد روى البخاري ومسلم عن وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قال أنه شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ . فقَالَ : (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا ، أَوْ يَجِدَ رِيحًا).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى): “النوم الذي يشك فيه : هل حصل معه ريح أم لا ؟ لا ينقض الوضوء ، لأن الطهارة ثابتة بيقين ، فلا تزول بالشك”.
ومن كان ينام ويسمع الأصوات وشك في وضوءه؛ فوضوءه صحيح، لأن نومه كان خفيفًا، ويُنقض وضوء من فقد إحساسه بالكامل خلال نومه.