أجاب الإمام ابن باز عن هذا السؤال وأجاب إجابة كافية شافية لكن لم يخصص فيها شيئا خاصا للأطفال فالكلام كان على عامة الناس فما يحدث لهم سيحدث بالتبعية للأطفال، وبهذا فلا يوجد أفضلية للأطفال في رؤية الجن عن البالغين؛ أما عن إجابة الإمام فجاءت كالتالي بتصريف بسيط: الجن قد يظهر لبعض الناس فلا توجد قاعدة عامة في هذا الأمر ففي بعض الأحيان يظهر الجن وفي بعض الأحيان الأخرى لا يظهر، والجن هم أبناء الشياطين كما أن الإنس هم أبناء آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فالشيطان الذي هو الجان الذي امتنع عن السجود لآدم عليه السلام هو أبو الجن.
والجن أنواع فمنهم المؤمن ومنهم الكافر ومنهم الطيب ومنهم الخبيث ومنهم العاصي ومنهم الطائع فهم أقسام مثل جنس البشر فكافرهم مثل كافر الإنس خبيث، ومن الأدلة على أن الجن طوائف منهم الطائعين والكافرين ما ورد في سورة الجن؛ قال تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} [سورة الجن-11]
وعلى وجه من أوجه التفسير في هذه الآية الكريمة ما قاله الإمام ابن جرير الطبري “يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيلهم: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) وهم المسلمون العاملون بطاعة الله (وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) يقول: ومنا دون الصالحين (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) يقول: وأنا كنا أهواء مختلفة، وفِرَقا شتى، منا المؤمن والكافر. والطرائق: جمع طريقة، وهي طريقة الرجل ومذهبه. والقِدد: جمع قدّة، وهي الضروب والأجناس المختلفة”.
وقد يرى الإنسان الجني ويتصل به ويكلمهم ويكلمونه لكن الأغلب أنهم لا يرونهم كما قال جل وعلا {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف-27]، وهذا يعني أنهم يروننا من حيث لا نراهم، ولكن ليس معنى أننا لا نراهم أننا لن نراهم، والجني قد يظهر للناس في الصحراء وفي بعض البيوت كما أن الله عز وجل أعطاه القدرة على مخاطبة البشر، فقد ورد عن بعض العلماء أن هذا الأمر قد حدث عدة مرات معهم هذا لأن بعض الجن قد يحضرون مجالس العلم ويسألون عن بعض ما يخفى عليهم من مسائل العلم وإن كانوا لا يرون.
قال الإمام ابن باز بتصريف بسيط: لا تجوز الاستغاثة بالجن من دون الله، كما أنه لا تجوز الاستعانة بهم على إحداث الضرر بالمسلمين فهذا شئ منكر، ولا يجوز أيضا سؤال الجني عن العلم الغيبي بل يجب أن يحذروا من هذا الأمر.
قد ورد عن الإمام الألباني ما يلي: “لا نرى التوجه إلى الجن في أسئلة تتعلق بأمور غيبية؛ لأن ذلك من بواعث ضلال البشر، والله عز وجل ذكر في القرآن الكريم شيئاً من ضلال المشركين السابقين، حيث قال رب العالمين تبارك وتعالى حكاية عن الجن الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، فقد كان من قولهم: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً}”.
قال الإمام ابن باز عن هذه الآية الكريمة”يعني: زادوهم شراً وبلاءً، والآية فيها تفسيران أحدهما: زادوهم يعني: الجن زادوا الإنس ذعراً وخوفاً، فزاد الجن والإنس ذعراً وخوفاً منهم”، والمعنى الثاني “أزاد الإنس الجن رهقاً، يعني: طغياناً وكفراً وعدواناً عليهم؛ لأنهم لما رأوا الإنس يخافونهم تكبروا عليهم وزادوا في إيذائهم”.
قال الإمام ابن باز بتصريف بسيط: أما دعوتهم إلى الله فإذا عرفتهم وتقدر على تعليمهم ما ينفعهم وأن تنصحهم وتعظهم وتذكرهم فهذا لا بأس فيه.
قد ورد عن عدد من أهل العلم أنه لا مانع من رؤية الملائكة من قبل البشر حدث هذا أكثر من مرة وتم توثيق الحدث بأكثر من موقف ونص شرعي سواء كان من الكتاب أو السنة، ولكن الرؤية للبشر العاديين لا يكون الملائكة على هيئتهم الطبيعية بل يتشكلون على هيئة البشر أما رؤية الملائكة على خلقتهم الحقيقية فلم تثبت إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورد هذا الأمر في أكثر من موقف فعلى سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1– رؤية السيدة مريم عليها السلام لسيدنا جبريل عليه السلام: لكنه كان على هيئة البشر؛ قال تعالى {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}[مريم-17]، قال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية ما يلي”وقوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ْ} وهو: جبريل عليه السلام {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ْ} أي: كاملا من الرجال، في صورة جميلة، وهيئة حسنة، لا عيب فيه ولا نقص، لكونها لا تحتمل رؤيته على ما هو عليه”.
2- زيارة الملائكة لسيدنا إبراهيم وسيدنا لوط عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام: بعث الله رسلا من الملائكة لتبشر سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بسيدنا إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، وأيضا كانت رسل الله من الملائكة مرسلة إلى قوم لوط لتعذبهم العذاب الأليم بأمر من الله عز وجل، ولكنهم لم يكونوا على هيئة البشر كما ذكرنا من قبل، ونستدل على ذلك بقوله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ. فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ. وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}.
3- زيارة جبريل عليه السلام للنبي عليه الصلاة والسلام والصحابة رضي الله عنهم: ورد في الحديث المشهور في الأربعون النووية أن جبريل عليه السلام قد زار النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم ولكنه كان في غير هيئته، وقد ورد في الحديث ما يلي:(عن عمر رضي الله عنه أيضًا قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ ذات يومٍ إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي ﷺ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه……).
كما أن جبريل عليه السلام كان من الأمور المعتادة أنه يظهر للصحابة على هيئة الصحابي دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه، وقد ورد عن العلماء أنه كان من أحسن الصحابة خلقة وهيئة، قال ابن حجر رحمه الله” كان يضرب به المثل في حسن الصورة، وكان جبرائيل عليه السلام ينزل على صورته، جاء ذلك في حديث أم سلمة، وروى النسائي بإسناد صحيح عن يحيى بن معمر عن ابن عمر رضي الله عنهما: كان جبرائيل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي”.
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: (فقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم أره – يعني جبريل – على صورته التي خلق عليها إلا مرتين).
وأما عن تفصيل المرتين التي رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام؛ في المرة الأولى كانت الرؤية في الأرض في بداية الوحي، ونزل من بعد هذه الرؤية سورة المدثر، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ – أي انقطاع – الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ : (فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ ، فَقُلْتُ : زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي ، فَدَثَّرُونِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – إلى – والرجز فَاهْجُر) رواه البخاري (4641) ومسلم (161) .
وقد ذكر الله عز وجل هذه الرؤية في كتابه الكريم حين قال تعالى:{وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ}[التكوير-23].أما عن الرؤية الثانية فقد حدثت في رحلة الإسراء والمعراج حين قال ربنا عز وجل في سورة النجم{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}[النجم-14/13].