عند كتابة موضوع انشاء عن ليلة القدر قصير لا تستطيع الأقلام أن توفي قدرها، فهي ليلة القدر، فلا قدر يقابل قدرها، ولا قولًا يوفي حقها، ولا حبرًا يوفي الكتابة عن فضلها حيث تكرمت من رب العالمين فجعلها ليلة من خيرًا من ألف شهر ، فقال رب العالمين في كتابه الكريم مُحدثًا عن ليلة القدر:
“إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)” (سورة القدر).
القدر هو ما قدر الله حدوثه ولم يتم قضاءه بعد فتلك الليلة التي يقدر فيها الله -عز وجل- ما سيحدث للعباد في العام فجاء قوله تعالى في سورة الدخان “فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)“، كما أنها ليلة القدر أي الجلالة والعظمة والشرف، فقد نزل بها أشرف الكُتب، فتلك الليلة التي ينال العبد فيها قدره من قدرها ويزداد شرفه من شرفها، ويرفع ذنبه بغفرنها.
ليلة القدر هي ليلة قد اصطفاها الله -عز وجل- لتكون أشرف ليلِ العام، فانفردت تلك الليلة الجليلة بنزول القرآن الكريم ليكون دستور لضمان الرحمة للعالمين، فنزل القرآن ليحرر العباد من سجن الدنيا ليدخلوا في رحِاب رب العالمين.
“مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
“لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ” (سورة القدر- الآية 3).
“إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ” (سورة الدخان – الآية 3).
يبدأ شهر رمضان الكريم ويبدأ مع المؤمن الاعتكاف على العباد والصلاة والقيام وتلاوة القرآن وإتاء الزكاة فيكون ذلك هو استعداده للعشر الأخيرة من الشهر الكريم، فيبدأ المسلم تحري ليلة القدر عند الوصول للعشرة أيام الأخيرة.
“إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ اعْتَكَفَ العَشْرَ الأوَّلَ مِن رَمَضَانَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ العَشْرَ الأوْسَطَ، في قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ علَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ، قالَ: فأخَذَ الحَصِيرَ بيَدِهِ فَنَحَّاهَا في نَاحِيَةِ القُبَّةِ، ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ، فَدَنَوْا منه، فَقالَ: إنِّي اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوَّلَ، أَلْتَمِسُ هذِه اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فقِيلَ لِي: إنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، فمَن أَحَبَّ مِنكُم أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ معهُ، قالَ: وإنِّي أُرِيتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ، وإنِّي أَسْجُدُ صَبِيحَتَهَا في طِينٍ وَمَاءٍ فأصْبَحَ مِن لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَدْ قَامَ إلى الصُّبْحِ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ، فأبْصَرْتُ الطِّينَ وَالْمَاءَ، فَخَرَجَ حِينَ فَرَغَ مِن صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَجَبِينُهُ وَرَوْثَةُ أَنْفِهِ فِيهِما الطِّينُ وَالْمَاءُ، وإذَا هي لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ”.
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
“أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ: التَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ، في تَاسِعَةٍ تَبْقَى، في سَابِعَةٍ تَبْقَى، في خَامِسَةٍ تَبْقَى”
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
إن العبرة في ليلة القدر هي بالاجتهاد واغتنام الأوقات والعبادة بإخلاص فلا يشترط على العبد إدراك الليلة وتبين علاماتها، فمن اعتكف على العبادة طول شهر رمضان وبالأخص في العشرة الأخيرة من شهر رمضان نال فضل الليلة سواء علم بها أو لم يعلم، لكن من العلامات الدالة على ليلة القدر التي وردت في الأحاديث الصحيحة هي:
بعد انقضاء ليلة القدر وهي ليلة البرد والسلام على العباد وعلى الكون تأتي صبيحة الليلة وتشرق شمسها بلا شعاع، فتكون شمسًا باردة لا حارقة، فقد ورد في الحديث الصحيح:
“قلتُ لأبيِّ بنِ كعبٍ : أنَّى علِمتَ أبا المنذرِ أنَّها ليلةُ سبعٍ وعشرينَ؟ قالَ: بلَى أخبرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّها ليلةٌ صبيحتُها تطلعُ الشَّمسُ ليسَ لَها شعاعٌ، فعدَدنا، وحفِظنا واللَّهِ لقد علِمَ ابنُ مسعودٍ أنَّها في رمضانَ، وأنَّها ليلةُ سبعٍ وعشرينَ، ولَكِن كرِهَ أن يُخْبِرَكم فتتَّكِلوا”
الراوي : زر بن حبيش | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي
من علامات ليلة القدر التي وردت عن الصحابة نقلًا عن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- هو أن ليلة القدر هي ليلة اعتدال في كل ما فيها، فلا تكون ليلة برد قارص ولا حر شديد، بل تكون ليلة ذات طقس معتدل، وقد جاء ذلك القول في حديث عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال فيه:
“عنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في ليلَةِ القَدرِ: ليلةٌ طَلقةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدةٌ، تُصبحُ الشَّمسُ يومَها حمراءَ ضَعيفةً”
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن خزيمة | المصدر : صحيح ابن خزيمة
اقرأ أيضًا: جدول اعمال ليلة القدر مكتوبه