من هو الصحابي الذي لقب بأمين هذه الأمة ؟ سؤال نطرحه لكم في هذا المقال للتعرف عن قرب عن حياة واحد من الصحابة الذين شهدوا فترة البعثة النبوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا برسالته النبوية، ومنهم من شارك معه في الغزوات الدينية، ومنهم من نقل عنه الأحاديث أو التقى به فقط، وكانوا هم المصدر الرئيسي لنقل الكثير من المواقف عن النبي التي تثبت أخلاقه الرفيعة، كما أن الكثير منهم استكملوا رسالته في نشر الإسلام في شتى بقاع الأرض بعد وفاته، وذلك في فترة الخلفاء الراشدين .
والجدير بالذكر أن الصحابة ينقسموا إلى فئتين أساسيتين أولهم المهاجرون الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة وساندوه في البعثة النبوية، وثانيهم الأنصار الذين استقبلوه عند وصوله للمدينة المنورة إيمانًا منهم بدعوته وتدعيمًا له، فماذا عن الصحابي الذي لقبه النبي بأمين الأمة ؟، هذا ما سنجيب عليه في موسوعة.
من هو الصحابي الذي لقب بأمين هذه الأمة
يعد أبو عبيد بن أبي جراح رضي الله عنه هو من أطلق عليه هذا اللقب، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه:”إن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح”، وكان يفتخر به أيضًا عندما طلب منه أهل نجران أن يبعث لهم رجل أمين، فكان رده: “لأبعثنَّ إليكم رجلاً أميناً حَقَّ أمينٍ، فاستشرَفَ لهُ الناسُ فبعثَ أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ”، إذ أنه من أبرز صفاته الحميدة أمانته.
اسمه الحقيقي عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وهو أول من أسلم من الصحابة في بداية البعثة النبوية في دار الأرقم التي ذهب إليها عندما سمع بدعوة النبي للإسلام مع عدد من الصحابة الآخرين أبرزهم عبد الرحمن بن عوف.
ومن أوائل المهاجرين من مكة إلى المدينة المنورة، وهو من بين الصحابة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بدخولهم للجنة حينما قال “أبو بكرٍ في الجنةِ، وعمرُ في الجنةِ، وعليٌّ في الجنةِ، وعثمانُ في الجنةِ، وطلحةُ في الجنةِ، والزبيرُ في الجنةِ، وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ في الجنةِ، وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ في الجنةِ، وسعيدُ بنُ زيدِ بنُ عمرو بنُ نُفَيْلٍ في الجنةِ، وأبو عبيدةَ بنُ الجراحِ في الجنةِ”
كان أبي عبيدة بن أبي الجراح من أبرز الصحابة الذين مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال:”نعم الرجل أبو بكرٍ، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عُبيدة بن الجرَّاح”، فهذا يشير إلى المكانة الكبيرة التي حظي بها أبي عبيدة لدى النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكره مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
عرُف عن أبي عبيدة بشدة تمسكه بالدين والقوة والتواضع في التعامل مع الآخرين، أما عن صفاته الشكلية فقد كان طويل ونحيف وذو لحية خفيفة.
الغزوات التي شارك فيها أبي عبيدة بن الجراح
غزوة بدر
شارك أبي عبيدة بن الجراح في العديد من الغزوات أبرزهما غزوة بدر التي أبرزت قوة إيمانه بالله لأنه قاتل فيها أباه الجراح بن هلال الذي رفض دخول الإسلام وظل على الكفر وحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته، وقد انتهت هذه المعركة بقتال أبي عبيدة له.
غزوة أحد
أما عن هذه الغزوة فقد كانت خير دليل على قوته ومدى استعداده للتضحية من أجل النبي، وهي واحدة من أصعب المعارك التي خاضها المسلمين إذ تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم للإصابة وجهه الشريف حيث دخلت في وجنتيه حلقتا المغفر، وعندما رآه أبي عبيدة بن الجراح أسرع لكي ينزعها، وقد شهد عذا الموقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه حيث قال “أسرعت نحو رسول الله، وإذ برجل يركض نحو رسول الله كالبرق وإذ بأبي عبيدة، فلمّا وصلنا إلى رسول الله هممت بأن أنزع حلقات المغفر من وجنتيه، فقال لي أبو عبيدة: أسألك بالله يا أبا بكر ألا تركتني فأنزعها أنا، فتركته، فأمسك بالحلقة بأسنانه فنزعها، ثمّ سقط على ظهره وفقد ثنيته، ثمّ عاد فأمسك الحلة الأخرى وسحبها من وجنتي رسول الله فانتزعها وفقد الثنية الأخرى”، حيث فقد أسنانه لأنه نزع الحلقات بها وقد لُقب حينذاك بلقب “الأثرم”.
غزوة ذات السلاسل
أما عن تلك الغزوة فقد كانت خير دليل على الأخلاق الحميدة التي اتصف بها هذا الصحابي الجليل، حيث كان يقود هذه المعركة عمرو بن العاص الذي كان يواجه عدد كبير من الأعداء، وقد طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل له المدد من بينهم أبي عبيدة رضي الله عنه، وعندما استقبلهم عمرو بن العاص أخبرهم أنه أمير هذه المعركة، فكان جوابهم أن أبي عبيدة هو أميرهم، فرد عليهم عمرو بن العاص أنه جاءوا لمساندته في المعركة وليس لأحد من الأمير، فرد عليه أبي عبيدة قائلاً :”تعلم يا عمرو أنّ رسول الله قال لي: إن قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنّك إن عصيتني أطعتك”.
وهناك العديد من المواقف التي تثبت حسن خلقه مثل:
إرسال عمر بن الخطاب 400 دينار إلى أبي عبيدة بن أبي الجراح الذي لم فضل أن ينفقها على الفقراء والمحتاجين على أن ينفقها على نفسه وهو موقف يثبت مدى كرمه، وعندما بلغ عمر بن الخطاب هذا الأمر غمرته الفرحة.
يروي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا موقفًا آخر لأبي عبيدة بن أبي الجراح أنه عندما كان في الشام ودخل بيت أبي عبيدة لم يجد فيه سوى القليل من الطعام الذي كان عبارة عن فتات خبر والقليل من الأسلحة مما أثر ذلك في نفس عمر الذي بكى وقال :”غيّرتنا الدنيا كلّنا، غيرك يا أبا عبيدة”.
موقفًا يبرز مدى تواضعه وزهده في الدنيا وغايته للآخرة وهو عندما عينه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائدًا للجيش بدلاً من خالد بن الوليد، فعندما بلغ أبي عبيدة هذا الخبر قال لعمر: “والله إنّي كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، وكلّنا في الله أخوة”.
وفاة أبو عبيدة بن أبي الجراح
بعد مرور 8 سنوات على الهجرة النبوية الشريفة توفي أبو عبيدة ابن أبي جراح رضي الله عنه جراء إصابته بمرض الطاعون في عمواس بفلسطين وكان يقود المسلمين في الشام عمر بن الخطاب رضي الذي طلب منه قبل وفاته أن يغادر القرية التي انتشر فيها هذا المرض ويذهب إليه حتى ينقذه من هذا الوباء، ولكنه رفض أن يغادرها ويترك الجنود، وذلك كان في عمر الثامن والخمسين.
وأكثر من حزن على وفاته هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي عندما جاءه خبر وفاته قال:”لو كنت متمنيّا، ما تمنيّت إلا بيتا مملوءاً برجال من أمثال أبي عبيدة”، وتشير المصادر أن من صلى عليه عند وفاته هو معاذ بن جبل رضي الله عنه، ليتوفى واحدًا من أعظم الصحابة من العشرة المبشرين بالجنة من خيرة ممن جاهدوا بأنفسهم في سبيل الله.