-كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يسيرُ في طريقِ مكَّةَ فمَرَّ على جَبلٍ يُقالُ له : جُمْدَانُ فقال : ( سِيروا هذا جُمْدَانُ سبَق المُفرِّدونَ سبَق المُفرِّدونَ ) قالوا : يا رسولَ اللهِ ما المُفرِّدونَ ؟ قال : ( الذَّاكرونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتُ ).[الراوي: أبو هريرة. صحيح ابن حبان].
اعلم رحمني الله وإياك أن للذكر ثلاث مراتب أدناها الذكر باللسان دون القلب، وأوسطها الذكر بالقلب دون اللسان، وأعلاها وهو ما يجب أن يطمح إليه كل المسلمين هو الذكر باللسان والقلب، وفي السطور القادمة قليل من التفصيل لكل مرتبة من مراتب الذكر.
هناك بعض الناس يذكر الله -عز وجل- أثناء المشي أو في العمل، أو في المواصلات فيقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولكن من دون أن يستشعر عظمة هذا الذكر العظيم الذي يردده فهذا الذكر العظيم أوصى بها أبينا إبراهيم خليل الله النبي عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ فقد روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر” [صحيح الترمذي، حديث حسن].
ومن يذكر الله بهذه الطريقة يؤجر إن شاء الله لكنها تعتبر هي أقل درجات الذكر.
أما هذا النوع من الذكر، فيأتي في المرتبة الوسطى في الفضل، فصاحب هذا الذكر لا يذكر الله بلسانه لكنه يستشعر معيته -سبحانه وتعالى- ويتذكر ربه دائما جل وعلا، فقلبه يخاف من الله ويرجوه، ويستعين به ويتوكل عليه ولكن من دون أن يذكر الله سبحانه بلسانه، وقال الإمام إبن القيم الجوزية رحمه الله: “وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ويهيج المحبة ويثير الحياء ويبعث على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً منها فثمرته ضعيفة”.
وهو ما واطأ اللسان القلب فالمسلم في هذه الحالة يذكر الله بلسانه ويستشعر معنى الذكر بقلبه ويستشعر عظمة المذكور وهو الله سبحانه وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشوري -11]، فإذا قال استغفر الله استشعر الخطأ والذل والانكسار لله بسبب الذنوب والمعاصي التي اقترفها في حق الله فيرجوا من الله الرحمة والمغفرة وهو الغفور الرحيم سبحانه جل في علاه لا يرد تائبا عائدا منكسرا ذليلا صادقا في عودته أبدا فهو القائل سبحانه وتعالى {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر -3]، وغيرها الكثير من الآيات والأحاديث الدالة على رحمة الله الواسعة لمن تاب وعقابه لمن استحق العقاب.
تنقسم الأذكار إلى نوعين:
وهي الأذكار المعينه بموقف أو بمكان معين وهذه الأذكار توقيفية فلا يجوز التغيير في ألفاظها إلا بنص شرعي من الكتاب أو السنة؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر عند دخول الخلاء أعزكم الله يجب على المسلم أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث حتى لا يمسه الشيطان بسوء، فالخلاء هو موطن لهذا الخبيث وأعوانه فهو ينتظر منك الذلل والنسيان والغفلة عن ذكر الله حتى يوسوس لك بالأمور الخبيثة التي تؤثر عليك في الدنيا والآخرة؛ ومن أمثلة الأذكار المقيدة التي يجب على المسلم أن يحصن نفسه بها دائما ما يلي:
وغيرها الكثير من الأذكار وهناك العديد من الكتب التي ذكرت هذه الأذكار مجتمعة مع بعضها البعض ومن أفضلها كتيب حصن المسلم.
أما الأذكار المطلقة فهي الأذكار الغير مقيدة بتوقيت معين فعلى سبيل المثال (لا حول ولا قوة إلا بالله، الله أكبر، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، لا إله إلا الله)، وغيرها من الأذكار التي وعد الله قائلها بالأجر العظيم والعيش الهنيئ في الدنيا والآخرة، وتأمل أخي قوله تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} [طه- 124].