أحيانًا تضعنا الحياة في اختبارات عدة وابتلاءات متتالية، تجزع بها النفس، ولا تمتلك القدرة على المقاومة لتكون قصة سيدنا ايوب من القصص التي تبعث في النفس الشعور بالراحة والطمأنينة، فهو من أنبياء الله عز وجل الذين صبروا على البلاء، واحتسبوا أجره عند الله، فكان خير مثال يُحتذى به، فإذا تمعنا في آيات كتاب الله عز وجل تمكنا من التعرف على تلك القصة التي نجد البعض يتغنون بها، ويضربون بها المثل فيقولون “يا صبر أيوب”. فهيا بنا نتعرف على قصة سيدنا ايوب عليه السلام من خلال مقال اليوم عبر موسوعة.
نبي الله أيوب وُرد ذكره في القرآن الكريم، على أنه من الأنبياء التي ضربت خير مثال في الصبر وقوة الإرادة، يرجع نسبه إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام من ولده إسحاق. ضرب خير مثال في الصبر على البلاء، فمن المتعارف عليه أن الله تعالى يختبر المؤمنين من خلال مجموعة من الابتلاءات لبيان قوة الإيمان والصبر على المصائب والاحتساب لدى كل منهم.
فمن المؤكد أن الإنسان لا يستطيع أن يتيقن من قوة إيمانه إلا حينما يقع في المصائب، فإن صبر واحتسب فأمر الله نافذ، وإن جزع وكفر فأمر الله نافذ لا محالة، ومن هنا جاء الاختبار لسيدنا أيوب عليه السلام.
جاء عن ابن كثير أن سيدنا أيوب عليه السلام كان من أنبياء الله الصالحين الذين أنعم الله عليهم بالمال الوفير، كما كان له الكثير من المواشي والأنعام، وكذلك منحه الله من البنون، فاجتمعت لديه زينة الدنيا كلها، يُذكر أنه كان أيضًا يمتلك أرض كبيرة في بلاد الشام.
ولأن الدنيا لا تسير أبدًا على وتيرة واحدة، فحدث ما لم يكن أيوب يتوقعه، فسرعان ما فقد أولاده واحدًا تلو الأخر، وكذلك خسر جميع أمواله ولم يتبق له حتى القليل منها، هذا فضلاً عن المرض الشديد الذي أصاب بدنه وأضعفه، فلم يبقى منه عضو سليم إلا القلب المليء بالإيمان، واللسان المداوم على ذكر الله عز وجل.
تحول أيوب إلى إنسان ضعيف لا يقدر على شيء، حتى أن زوجته بدأت تعمل في خدمة الناس بالبيوت من أجل الإنفاق علي زوجها، ولتتمكن من إطعامه، فتحول بهم الحال إلى حال آخر، إلا أنها كانت زوجة بارة استطاعت أن تقف إلى جوار زوجها وتُعينه على ما أصابه. ومن جانبه لم يتوانى أيوب لحظة عن ذكر الله عز وجل، فكان يحمد الله على الرغم من تلك الابتلاءات الشديدة التي من شأنها أن تعصف بأي بشر، إلا أن إيمان أيوب كان أكبر منها.
استمر الأمر على هذا الحال لمدة 18 عام، وعندما اشتد به الحال توجه إلى الله تعالى بالدعاء، وجاء دعاءه في سورة الأنبياء حيث قال “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”، وكذلك في سورة ص فقال “وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ”.
استجاب المولى لنبيه وأوحى له أن يضرب الأرض بقدمه، فإذا بنبع من المياه ينفجر، ليغتسل منه نبي الله أيوب كما أمره الله تعالى فذهب عنه كافة الأسقام، الظاهرية، ثم يشرب من هذا النبي ليخرج منه كل الألم الداخلي، ليعود إلى حالته الطبيعية، ويبرأ تمامًا من كل مرض. وجاء هذا في قوله تعالى في سورة ص “ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿42﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ﴿43﴾”.
وُرِدت مجموعة من المغالطات في قصة نبي الله أيوب عليه السلام، حيث قيل أن الله عز وجل ابتلاه بمرض يُشوه جسده، ويجعل الديدان تخرج منه، وهذا أمر غير صحيح تمامًا، فالمولى عز وجل عصم الأنبياء من شر أي مرض كريه قد يبعد الناس عنهم، كما أن الغرض منه كان لاختبار الإيمان وليس لأي سبب آخر.
وعن قوله تعالى في سورة ص “وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ”، فيُقال بأنه كان عليه نذر، حيث انفعل في يوم على زوجته، ونذر أن يضربها مائة جلدة بمجرد ما يعفي الله عنه، إلا أنه يُقال أن الله تعالى أمره أن يأخذ ضغثًا، وهو غصن يحتوي على مائة قضيب ليضرب به زوجته ضربة واحدة، فيوفي نذره.
ومن خلال تلك القصة العظيمة التي أوردها الله عز وجل في كتابه، نجد أن الصبر على البلاء خير دليل على قوة إيمان الإنسان، كما أن الاستعانة بالله تعالى واللجوء إليه بالدعاء يُساعد في تحقيق الكثير من المعجزات. فحتى الأنبياء ابتلاهم الله في كل ما يمتلكون من زينة الدنيا ومتاعها، فمن نحن حتى لا نُبتلى!