يعد حديث “من صام من يوم واحد ذي الحجة إلى يوم تسعة” بكل صيغه ليس صحيحاً، فالحكم على الحديث من أهل المراجعة والتدقيق في السند يقرون بضعف الحديث، وأن بعض صيغه هي باطلة، وبعضها الآخر موضوعة، ولكن هذا لا يمنع أن صيام التسع أيام الأولى من شهر ذي الحجة لهم فضل عظيم عند الله- جل وعلا- وأن العمل الصالح كله في تلك الأيام المباركة له أجر عظيم عند المولى- عز وجل-، وسنعرض لكم ذلك الحديث بصيغه المختلفة فيما يلي حتى لا يختلط الأمر على أحد منا، ويظن في هذا الحديث الصحة، ثم سنعرض لكم فضل الصيام في تلك الأيام المباركة، ومن ثم فضل العلم الطيب فيها، بالإضافة إلى كيفية استغلال تلك الأيام المباركة أحسن استفادة فيما يلي.
نص حديث من صام من يوم واحد ذي الحجة إلى يوم تسعة
تم تناقل هذا الحديث بين العامة والناس في الكثير من الصيغ والصور، ومن بين تلك الصيغ ما يلي.
(من صام آخِر يوم من ذي الحجَّة، وأول يوم من المحرَّم، فقد ختم السَّنة الماضية، وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعله الله كفَّارة خمسين سنة) (حديث موضوع)
(عن حفصة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه قال: من صام آخِر يوم من ذي الحِجَّة, وأولَ يوم من المحرَّم, جعله الله تعالى كفَّارة خمسين سنة, وصوم يوم من المحرَّم بصوم ثلاثين يومًا) (حيدث موضوع)
نعيد ونكرر، على عدم صحة تلك الأحاديث المتناقلة في الوقت الحالي بين الناس، ولكن هذا لا يقل من فضل الصيام في التسع أيام الأولى من شهر ذي الحجة، والتي سنعرضه لكم فيما يلي.
فضل صيام 9 أيام من ذي الحجة
يعد شهر ذي الحجة بما يحتويه من أفضال طيبة، وخصوصاً أن فيه موسم الحج، عيد الأضحى المبارك، وما له من ذكريات دينية وروحانية عظيمة لكل المسلمين، وهناك من يحب منا التقرب إلى الله بالصيام، فما هو فضل الصيام في تلك الأيام المباركة؟ للصيام في ذاته فضل عظيم على صاحبه، ويكفيه أنه يفتح باباً من أبواب الجنة الخاصة بالصائمين، ولا يدخل منه سواهم، وهو باب الريان، فما أعظم أجر ذلك الصوم في تلك الأيام العظيمة! ومن بين فضل الصيام في تلك الأيام ما يلي.
يخص المولى-عز وجل- الصيام ويميزه عن سائر الأعمال الطيبة بأنه هو -سبحانه وتعالى- من سيجازي صاحبه، على عكس كافة العبادات الأخرى والتي يكتبها الملك في كتابه، والتي وضع الله لها ثواباً محدداً، فالصيام أعد الله له ثواباً خاصاً من عنده، لا يعلمه إلا الله،
أعد الله للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه، هذا بحسب ما جاء من صحيح البخاري عن حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والذي قال فيه: (لصَّائمِ فرحتانِ : فرحةٌ حينَ يفطرُ ، وفرحةٌ حينَ يَلقى ربَّهُ) (حديث صحيح).
يروي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن للصائم حتى في رائحة فمه، التي قد يستنكرها فضل، وثواب عند الله، وقد وصفها بأنها عند الله كرائحة المسك، كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إِلَّا الصِّيَامَ، هو لي وَأَنَا أَجْزِي به فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلْفَةُ فَمِ الصَّائِمِ، أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ) (حديث صحيح).
كما أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-قد ذكر أن من قام بصيام يوم في سبيل الله، وتقرباً إلى الله، أبعد الله وجهه عن النار سبعين عاماً.
كما أن الصوم يحمي صاحبه من النار.
يكفر الصوم لصاحبه يوم القيامة الذنوب، ويشفع له عند المولى- عز وجل-، ومثله في ذلك مثل القرآن الكريم يوم القيامة.
فضل الأيام العشر من ذي الحجة
تعد الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة، أيام تنشر فيها الرحمات، وتضاعف فيها الحسنات، ويقبل المسلمون فيها على الله بقلوب خاشعة، طامعين في النيل بما في تلك الأيام المباركة من عظيم الأجر والثواب، فهي أيام يكثر عظيم فضلها، ومن فضل الأيام العشر من ذي الحجة ما يلي.
قد أقسم المولى- عز وجل- بتلك الأيام في بداية سورة الفجر، وقد أجمع المفسرون للقرآن الكريم، الجمهور منهم، على أن المقصود بالليالي العشر هي الليالي العشر الأولى من شهر ذي الحجة، والتي بها يقوم فيها الحجاج بتأدية مناسك الحج، والمولى- سبحانه وتعالى- لا يقسم بشيء إلا أن كان هذا الشيء عظيماً.
تشتمل الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة أيام هي من أفضل أيام السنة، ومن تلك الأيام وعلى رأسها يوم عرفة، لكل ما فيه من فضل عظيم، كما وتنتهي تلك الأيام بيوم النحر، والذي تذبح فيه الأضاحي أسوة بنبي الله إبراهيم أبي الأنبياء، وذكرى نجاة أبي العرب كلهم سيدنا إسماعيل- عليه السلام-.
تشهد تلك الأيام فريضة الحج، والتي تعد من أعظم الفروض التي يقوم بها المسلم، وأكثر الفرائض من الناحية الروحانية والدينية.
شهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لتلك الأيام بأنها أعظم أيام الدنيا، وأن الثواب فيها لا يفوقه أي ثواب، إلا ثواب من خرج للجهاد بكل ما لديه، فخرج بنفسه وماله، ولم يرجع بأي شيء من ذلك.
تجتمع في تلك الأيام المباركات العديد من العبادات الأصيلة في الدين الإسلامي، والتي تعد أمهات العبادات، فالصلاة للفرائض، والصوم تقرباً إلى الله، والحج، وحتى إخراج الصدقات مع النحر، وتوزيع الأضاحي.
أعمال مستحبة في الايام العشر من ذي الحجة
يسعى المسلم استغلال تلك الأيام العشر من شهر ذي الحجة في العديد من العبادات؛ حتى يستطيع الاستفادة من فضل تلك الأيام العظيمة حتى ولو بالقليل، ومن بين تلك الأعمال ما يلي.
بالطبع تأتي في مقدمة الأعمال في تلك الأيام ما يقوم به الحجاج من مناسك للحج، وهي الفريضة، والتي يباهي المولى- عز وجل- ملائكته بكل من قام بأدائها في يوم عرفة.
الصيام كما ذكرنا بالطبع، لما له من فضل عظيم كما ذكرنا، كما أن صيام يوم عرفة وحده كفارة لذنوب سنة كاملة.
التكبير والتحميد والتهليل، وهذا من سنة نبي الله- صلى الله عليه وسلم- والتي حثنا عليها في العديد من الأحاديث عند استقبال تلك الأيام المباركة.
التوبة والاستغفار والتوقف عن ارتكاب الذنوب والمعاصي.
كما يتم التقرب إلى المولى- عز وجل- بالصلاة والدعاء، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما الأضحية فلها من الثواب الكثير الذي مهما ذكرنا فيها فلن نوفيها، يكفي فقط أن في أول قطرة دم من الأضحية بركة وكفارة للذنبو، بالإضافة إلى الصدقة من لحمها للفقراء والمساكين.
ماذا حدث في كل يوم من أيام ذي الحجة
يذكر غالبية المسلمين الأحداث التي وقعت مع سيدنا إبراهيم وابنه سيدنا إسماعيل- عليهما السلام- مع اقتراب العشر الأوائل من ذي الحجة، وعيد الأضحى المبارك، فهل تلك الأيام شاهدة على أحداث أخرى؟ في الواقع يذكر أحد أعضاء لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وهو الدكتور عطية لاشين، أنه لم ترد أي أحداث وقعت في أيام ذي الحجة في أي سند أو مصدر صريح، الأمر الوحيد الذي وقع فيها هو حادثة نجاة سيدنا إسماعيل فقط، وهذا ما ورد لنا من القرآن والحديث، أما دون ذلك فلا دليل عليه.