بحث عن علم التفسير ونشأته ؛ إن علم التفسير من أهم العلوم، وأشرفها، وأفضلها، وذلك لأنه يتعلق بكلام رب العالمين، وهل هناك شرف، وفضل أعظم من فهم المراد من كلام الله عز وجل، إذا أردت أن تتعرَّف على الله عز وجل؛فاحرص على فهم كلامه؛ فإذا فهمت كلامه، عرفت الله من كلامه، وعلمُ التفسير تصدَّر في التأليف فيه كثير من محبي العلوم الشرعية، وغيرها، وذلك لدوره الفعَّال في تثبيت عقيدة المسلم، وإظهار أن ما يتبعه هو الحق لا حق سواه، فالفهم المغلوط لمعاني القرآن الكريم قد يؤدي بصاحبه إلى النار؛ لأنه لما كان فهمه لكلام الله خطأً، سيكون تطبيقه لمراد الله خطأً أيضًا، وسيقع في المحظور لا محالة.
علم التفسير ظهر بظهور القرآن الكريم، فبمجرد أن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان ينزل عليه آية من كتاب الله عز وجل، كان يأمر أصحابه أن يكتبوها أولًا، ثم بعد ذلك يشرح النبي _صلى الله عليه وسلم- هذه الآية للصحابة.
بل إن النبي المصطفى كان إذا نزل جبريل- عليه السلام -عليه بآية من القرآن، كان يرددها وراءه خوفا من النبي المجتبى في أن ينسى شيئًا من هذه الآية، أو الآيات التي نزلت عليه، وكان يسأل جبريل- عليه السلام- عن بيان تلك الآيات التي أنزلها عليه رب العزة سبحانه، فلما كان الأمر كذلك من النبي-صلى الله عليه وسلم- أنزل الله -تعالى- في سورة القيامة مخاطبًا نبيه(ثم إن علينا بيانه) .
فالله-تعالى- قد تكفل لنبيه المصطفي بالحفظ، والضمان، والبيان للقرآن الكريم، فتفسير القرآن بدأ في حقيقته من سؤال النبي-صلى الله عليه وسلم- لجبريل، ثم بعد ذلك من بيان النبي المختار لأصحابه.
ثم بعد أن ظهرت الفتوحات الإسلامية الواسعة، وانتشر الإسلام في جميع أنحاء الأرض بفضل الله، دخل كثير من غير العرب في الإسلام، ونعرف أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فبالتبعية خفيت كثير من معاني القرآن الكريم على هؤلاء الوافدين على الإسلام، مما احتاجت تلك المعاني بالتوضيح بشكل يبسط معانيها على هؤلاء الوافدين.
تكفل الصحابة من بعد الرسول_صلى الله عليه_ وسلم بتلك المهمة – تفسير القرآن لمن هم حديث عهد بالإسلام-؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا أعرابًا أقحاح؛ يُجيدون اللغة أفضل إجادة، والقرآن نزل تحديًا للعرب، فلن تفهم القرآن الكريم فهمًا صحيحًا إلا إذا تعلمت لغة العرب، تعلُّمًا صحيحًا.
النبي -صلى الله عليه وسلم- أول من فسر القرآن الكريم لأصحابه، ولكن تفسير النبي-صلى الله عليه وسلم- لم يكن للقرآن الكريم بشكل كامل، وإنما كان للمعاني الخفية التي كانت تتعذر عليهم، ولم يفهموها، أما تفسير الصحابة كان بشكل أوسع عن تفسير النبي- صلى الله عليه وسلم- ، وذلك لأن الوافدين على الإسلام كانوا أعاجم لا يُجيدون العربية، فبالتبعية كان التفسير لهم أوسع من تفسير النبي المصطفى لصحابته.
وأشهر مفسري الصحابة، وأكثرهم ذيوعًا وعلمًا، كان عبد الله بن عباس-رضي الله عنه- فقد دعا له النبي – صلى الله عليه وسلم- بقوله” اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل”، فكان أكثر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فقهًا في دين الله عز وجل، وعلِّمه التأويل: أي تأويل المشكل أو الغامض الذي كان يغمض على غيره، رزقه الله عز وجل الفقه والتأويل ببركة دعاء النبي المختار.
فكان عبد الله بن عباس على رأس المفسرين في عصره، من خفي عليه شيء من كلام الله تبارك وتعالى؛ يذهب إلى عبد الله بن عباس،وكتب التفاسير بالقصة الشهيرة التي تُظهر براعة عبد الله بن عباس – رضي الله عنه- في هذا المجال، وهي قصته المشهورة بسؤالات نافع بن الأزرق له.
حيث جاء نافع بن الأزرق يقول له: أنت أعلم الناس بتفسير كلام الله، قال: نعم، قال نافع: إني سائلك أسئلة أريد لها جوابا، فقال ابن عباس: هات ما عندك، فقال نافع بن الأزرق يسأل عبد الله بن عباس السؤال؛ فيجيب ابن عباس على تفسير الكلمة الغامضة، ويوضحها له، ثم بعد توضيحها، يقول له: نافع بن الأزرق: وهل عرفت العرب ذلك، فيقول عبد الله بن عباس : نعم، ثم يأتي بالدليل على هذا التفسير من كلام العرب، وهذا يدل على مدى إحاطة عبد الله بن عباس بلغة العرب، ومدى دوره في تفسير ما أُشكل عليهم من القرآن.
وتوالت محاولات الصحابة بعد ذلك فكان من بينهم من يُجيد تأويل المشكل كعبد الله بن مسعود، وغيره، ونُقلت ذلك أيضا إلى التابعين، وكان على رأسهم الحسن البصري، وعبد الله بن جُبير؛ حتى ظهرت التفاسير المتخصصة، تفاسير خاصة بالبلاغة كتفسير(الكشاف) للزمخشري، وغيرها من التفاسير كتفسير الطبري، وأبس السعود؛ حتى خُتمت تلك المحاولات بتفسير عالم الأمة الرباني فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، ولا زالت تلك المحاولات ستُظهر أفذاذا يُدافعون عن الدين، وعن الفهم الصحيح لكلام رب العالمين سبحانه.