العلماء ورثُة الأنبياء ؛ لذا تقدم الموسوعة بحث عن الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله ، فالعالم هو الوريث الشرعي للأنبياء، وهذا الوريث قد ورث شيئًا مُختلفًا عن ما يرثه معظم الناس، فالعلماء لم يُورَّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنا وُرِّثوا العلم؛ فالعلم هو أعظم ميراثٍ يقدمه الإنسانُ للإنسان، وأعظم من ذلك أن يقدِّم له ما ينفعه في دنياه، ويُنجيه في أخراه، فالمقصود بميراث الأنبياء هو العلم، ولإحياء هذا الميراث في كل الأزمنة، والأمكنة؛ استودع الأنبياء العلم في جيل للصحابة، ثم نقل الصحابة للتابعين، ثم أتباع التابعين، إلى يومنا هذا، وإلى يوم الدين بنصر الله عز وجل، وبتوفيقه، ومن تلك العلامات البارزة في صفحات التاريخ من العلماء العاملين فضيلة العلامة الشيخ عبد الله بن حميد -رحمه الله تعالى- الذي كان له صولات وجولات في مجال العلم، فهيا معًا نتعرف على العلامة الشيخ عبد الله حميد_ رحمه الله تعالى-.
هو العلَّامة البحر الفهَّامة الفقيه والعالم الجليل عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حميد، ولد في خير الشهور وأفضلها شهر رمضان المُعظم، وكان ذلك في بلد الحرمين الشريفين، وخاصَّة مدينة الرياض، وكان ذلك في عام 1329 هـ، وهو والد إمام وخطيب الحرمين الشريفين فضيلة الشيخ صالح بن حميد، كان قاضيًا ورِعا يتسم بالذكاء الحاد وبالعلم الجم.
وقد نشأ هذا الشيخ يتيم الوالد عندما كان في الثانية من عمره، ولما بلغ السادسة من عمره؛ أصبح يتيم الوالدين، وقد أخذته عمته في كنفها، وربته وراعته، وذهبت به إلى كتاب مدينة الرياض؛ ليحفظ القرآن الكريم، ولما بلغ مرحلة الشباب تكفّل برعاية، وتنشئة ابن أخيه على النحو الذي ربته عمته عليه.
وكان أهل هذا الشيخ يتوسمون فيه من صغره بأنه سيكون له شأن عظيم، ومكانةٌ رفيعةٌ بين العلماء الذين ذاع صيتهم، ووصلت شهرتهم جميع أرجاء العالم، وهذا رغم ما أصابه من صغره من إعاقة كفيلة أن تنهي مسيرة أي شخص إن لم يكن يتمتع بالإرادة القوية، والعزم الشديد؛ فقد فقَد هذا الشيخ بصره في صغره، ورغم ذلك قابلها بصبرٍ، ومثابرةٍ، وإرادة قويةٍ.
حفظ القرآن وهو صغير، وبدأ في تلقيه العلم عن العلماء والمشايخ الفضلاء سواء أكانوا بالقرب منه في الرياض، أو الوافدين من كل بلاد العالم إلى الرياض، وكان حريصًا جدًّا على طلب العلم بهمة ونشاط، ولم يقتصر على علمٍ واحدٍ فقط، وإنما تعلّم علوم العربية، والعلوم الشرعية، وقد أخذ العلو العربية على يد الشيخ حمد بن فارس- رحمه الله تعالى.
وتعلم علم الحديث على يده أيضًا، أما علوم أصول الدين فقد تعلمها على يد شيخه عبد سعد بن حمد بن عتيق، وتعلم أيضًا على يديه علوم التفسير، وغيرها من العلوم الشرعية، وأخذ أيضًا عن فضيلة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ولازمه لفترةٍ ليست بالقصيرة، وكان يستشيره في أمر القضاء.
تقلد الشيخ العلامة عبد الله بن حميد-رحمه الله تعالى- الكثير والكثير من المناصب الدينية، و أولى تلك الوظائف كانت على يد شيخه العلامة محمد بن إبراهيم بن آل الشيخ، فقد عيّنه هذا الشيخ مدرسًا للمبتدئين، ومدرسًا مساعدًا له، ففي حال غياب الشيخ محمد بن إبراهيم بن آل الشيخ عن مجلسه العلمي؛ يتولى فضيلة الشيخ عبد الله بن حميد هذه المكانة.
وهذا إن دل فإنه يدل على مدى تقربه من شيخه، وعلى مدى تفرده عن غيره من زملائه في مجلس العلم؛ ولذا تولى الإنابة عن شيخه، ثم بعد ذلك تدرج في المناصب؛ فعينه الملك عبد العزيز-رحمه الله تعالى- في منصب القاضي لمدينة الرياض، وبعد فترة من الزمان نُقل من الرياض، إلى تولي منصب القاضي في بريدة وما يتبعها.
وظل على هذا الحال في توليه الإفتاء، والقضاء، وإمامة المسجد؛ حتى أراد أن يتنسك ويترك الدنيا بما فيها، ويقتصر على عبادة الله عز وجل، وتعليم الناس ما في كتاب الله، وما في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وظل على هذا الحال؛ حتى أُنشئت الرئاسة العامة للإشراف الديني على المسجد الحرام.
ولم يجد الملك فيصل -رحمه الله تعالى- أفضل من الشيخ عبد الله بن حميد في توليته رئاسة هذا المنصب؛ نظرًا لما قدمه من جهودٍ وفيرةٍ في خدمة الدعوة، وعلى منصة القضاء، ونظرًا أيضًا لعلمه الوفير الذي جعله قامة كبيرةً على مر العصور في المملكة العربية السعودية خاصَّةً، وفي العالم الإسلامي بأسره.
وقد ترك فضيلة الشيخ عبد الله بن حميد – رحمه الله تعالى- إرثًا عظيمًا من المؤلفات؛ ينتفع به الناس على مر العصور والأزمان، ومن تلم المؤلفات:التوحيد وبيان العقيدة السلفية النقية، الدعوة إلى الله وجوبها وفضلها، من محاسن الإسلام، توجيهاتٌ إسلامية، وغيرها من الكتب.
توفي الشيخ في يوم 20 من ذي الحجة عام 1402 هـ،وكان موافقًا ليوم الأربعاء، وصُلي عليه في المسجد الحرام، رحمه الله تعالى رحمة واسعةً، وأسكنه فسيح جناته.