إن الذكاء من أعظم النعم التي ينعم على الإنسان بها؛ لذا تقدم الموسوعة بحث عن الذكاء ؛ فالله عز وجل قد ميَّز الإنسان عن غيره بالعقل؛ فجعل للإنسان عقلًا يُميِّز به الجيد من الرديء، ويفصل به ما هو متعارفٌ ومقبولٌ عند الناس؛ فيتبعه، وما هو مرفوضٌ؛ فيتجنبه، وهذه نعمةٌ لا تُجاريها نعمةٌ، ولا بد للإنسان وأن يُحافظ على هذه الأمانة التي وضعها الله عز وجل فيه، ويستعملها في الأشياء التي تُرضي خالقها، وقد جعل الله عز وجل بين الناسِ فروقًا في استعمال هذا العقل؛ فمن الناس من يستعمله في الخير، ومن الناس من يستعمله في الشر.
لم يستطع أحد العلماء تحديد مصطلحٍ دقيقٍ يُناسب الذكاء، لكنهم اعتمدوا على التعريف العام للذكاء، وهو: القدرة العالية على الاستيعاب، أو القدرة التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يتعامل مع المراحل المختلفة في حياته بشكلٍ أفضل، وهذه القدرة هي التي تُميز الإنسان عن غيره من الناس، وتُعطي الإنسان القدرة على التعامل بأفضلية في سلوكياته، ومعاملاته.
ولا حدّ معينٍ لمجالات الذكاء؛ فمجالات الذكاء لا يُحصيها عددٌ؛ نظرًا لاختلاف أشكاله وأنواعه، وقد يكون هذا الذكاءُ فطريًّا وهبه الله عز وجل للإنسان دون أي تدخلٍ بشريٍّ منه، وقد يكون مكتسبًا، وذلك من خلال التطور المستمر، والعمل على اكتساب المهارات المختلفة.
فبطبيعة الحال سيكتسب الإنسان ذكاءً؛ لأنه كلما ازدادت تجارب الإنسان؛ ازدادت خبراته، وكلما ازدادت خبراته؛ نضج أكثر، وأصبح عنده الملكة التي يكون من خلالها قادرٌ على أن يُجيد التعامل مع أي موقفٍ، وأن يتخلص من أي مشكلةٍ تُواجهه في حياته، والذكاء الفطريّ لابد أيضًا أن يُعزَّز بإضافة الخبرات والمهارات المكتسبة إليه؛ حتى يكون الإنسان في تطوّرٍ دائمٍ وفي تقدُّمٍ مستمرٍّ؛ لأنه إذا لم يضف إلى ما عنده؛ سيتلاشى ما وهبه الله عز وجل من الذكاء شيئًا فشيئًا؛ حتى يزول.
وكما لم يتوصل العلماء في تحديد مفهومٍ دقيقٍ لتعريف الذكاء، كذلك لم يتوصلوا إلى تحديد أنواعٍ محدَّدَةٍ للذكاء، فمثلًا الذكاء العقليّ يندرج تحته عددًا لا حدود له من أنواع الذكاء؛ مثل الذكاء اللغوي، أو الذكاء المنطقي الرياضي أو الذكاء في مجالات الحاسب الآلي، أو الذكاء في مجالات تكنولوجيا المعلومات، أو الذكاء الفني، أوالذكاء الفراغي، أوالذكاء العاطفي، أو الذكاء الجسدي، أو الذكاء في الموسيقى، أو الذكاء الاجتماعي، والذكاء العضلي، وغيرها من أنواع الذكاء غير المحدود التي تندرج تحت الذكاء العقلي.
وقد وضع العلماء تعريفات لهذه الأنواع:-
وهو قدرة الفرد على التعبير عن المعنى الذي يريده بكلمات مُناسبةٍ لهذا المعنى، ولا بد للفرد أن يكون عنده حصيلة لغوية؛ حتى يستطيع فعل ذلك، وتلك الحصيلة تُكتسب بكثرة القراءة والمطالعة.
وهذا النوع لا يحتاج إلى تعبيراتٍ لفظيةٍ غالبًا،وإنما وظيفته هي عملية عقلية يُمكن من خلالها الوصول إلى إيجاد حلول لمسألةٍ رياضيَّةٍ.
وهذا النوع يُحققه الشخص عند قدرته على استخدام الكيفيات المناسبة في تعامله مع الآخرين؛ فالإنسان لا يستطيع أن يعيش وحيدًا، وإنما لابد له وأن يخالط الناس، يحتاج لهم، ويحتاجون له.
وهذا النوع لا بد وأن يتوافر عند صانعي التماثيل، والفنانين التشكيليين؛ لأن هذا النوع يجعل لهم القدرة على تصور الأشكال في الفراغ كيف ستكون قبل تنفيذها.
وهو البراعة في التحكم الأطراف، فالرياضيون مثلًا يُحسنون التحكم في استخدام الأطراف؛ لذا يتمتعون بنشاطٍ وحيويةٍ.
وهذا النوع يتميز به من لهم القدرة على الإحساس بالموسيقى، والشعور بها أكثر من غيرهم.
وهذا النوع يتوفر في من له القدرة على الإحساس بنفسه، وتقييمها، والتنبؤ بما سيحدث.
وهذا النوع يتواجد عند من يستطع التحكم في مشاعره، فلا يُفرط في مشاعره، وكذلك يكون له القدرة على التعامل مع أي إحباطٍ يمر به.
أما ما يُثيره بعض الذي لا يحسنون فهم الكلام: بأن جنس الرجال يُفضَّل عن جنس النساء في الذكاء، واستندوا في ذلك لحديث النبي-صلى الله عليه وسلم-: ” ناقصات عقلٍ ودينٍ”، وأخطأ في فَهم قول النبي-صلى الله عليه وسلم-، وقالوا بأن الرسول هو من حكم على النساء بأنهن ناقصات عقلٍ ودينٍ؛ وحاشا لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-أن يُفضِّل جنسًا عن جنسٍ.
وإن من حكم بذلك قد أخطأ في فَهم قول النبي-صلى الله عليه وسلم-، والمقصود من قول النبي المصطفى: إن أعمال المرأة أكثر من أعمال الرجل؛ فالمرأة تفكّر في منزلها، وأولادها، وعملها؛ وكونها تُفكّر في كل هذه الأشياء؛ ففكرها مشتَّتٌ، ومادام فكرها مشتَّتٌ، فلن تستطيع التركيز في أعمالها هذه بدرجةٍ كبيرةٍ، ومراد النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعد تكريمًا للمرأة، وليس تقليلًا من شأنها.
قد أثبت الدراسات العلمية أن أكثر فترة من حياة الإنسان يكون ذكاؤه فيها سريعًا هي الخمس السنوات الأولى من عمر الإنسان، وقد حدَّدوا فترةً زمنيةً يتوقف عنها نموّ الذكاءِ، وهي مرحلة ما بين (16) سنة إلى (20)؛ فذكاؤه في تلك المرحلة ثابتٌ إلا إذا طوَّر من نفسه عن طريق التعلُّم.