شعر المدح من أكثر أغراض الشعر ثروة في تراثنا العربي؛ حيث اعتاد الشعراء العرب على مدح قبائلهم، وأحبابهم، وعرقهم، وملوكهم على مر العصور، وقد برز في شعر المدح أهم الشعراء في الأدب العربي أمثال المتنبي، وأحمد شوقي.
توجد الكثير من قصائد المدح التي ذكرها العرب منذ عصور الجاهلية وحتى الآن، ومن بين تلك القصائد نذكر كل ما يلي:
قال عمرو بن كلثوم في معلقته:
أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَين وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا.
بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيض وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا.
وَأَيّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا.
وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد تَوَّجوهُ بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا.
تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيهِ مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا.
وَأَنزَلنا البُيوتَ بِذي طُلوحٍ إِلى الشاماتِ تَنفي الموعِدينا.
وَقَد هَرَّت كِلابُ الحَيِّ مِنّ وَشذَّبنا قَتادَةَ مَن يَلينا.
مَتى نَنقُل إِلى قَومٍ رَحان يَكونوا في اللِقاءِ لَها طَحينا.
يَكونُ ثِفالُها شَرقِيَّ نَجدٍ وَلُهوَتُها قُضاعَةَ أَجمَعينا.
نَزَلتُم مَنزِلَ الأَضيافِ مِنّ فَأَعجَلنا القِرى أَن تَشتُمونا.
قَرَيناكُم فَعَجَّلنا قِراكُم قُبَيلَ الصُبحِ مِرداةً طَحونا.
نَعُمُّ أُناسَنا وَنَعِفُّ عَنهُم وَنَحمِلُ عَنهُمُ ما حَمَّلونا.
نُطاعِنُ ما تَراخى الناسُ عَنّ وَنَضرِبُ بِالسُيوفِ إِذا غُشينا.
بِسُمرٍ مِن قَنا الخَطِّيِّ لُدنٍ ذَوابِلَ أَو بِبيضٍ يَختَلينا.
كَأَنَّ جَماجِمَ الأَبطالِ فيه وُسوقٌ بِالأَماعِزِ يَرتَمينا.
نَشُقُّ بِها رُؤوسَ القَومِ شَقّ وَنُخليها الرِقابَ فَتَختَلينا.
وَإِنَّ الضِغنَ بَعدَ الضِغنِ يَبدو عَلَيكَ وَيَخرِجُ الداءَ الدَفينا.
وَرِثنا المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَدٌّ نُطاعِنُ دونَهُ حَتّى يَبينا.
قال محمود سامي البارودي:
لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تَعْلُو مَنَاسِبُهُ بَلِ الصَّدِيقُ الَّذِي تَزْكُو شَمَائِلُهُ.
إِنْ رَابَكَ الدَّهْرُ لَمْ تَفْشَلْ عَزَائِمُهُ أَوْ نَابَكَ الْهَمُّ لَمْ تَفْتُرْ وَسَائِلُهُ.
يَرْعَاكَ فِي حَالَتَيْ بُعْدٍ وَمَقْرَبَةٍ وَلا تُغِبُّكَ مِنْ خَيْرٍ فَوَاضِلُهُ.
لا كَالَّذِي يَدَّعِي وُدّاً وَبَاطِنُهُ بِجَمْرِ أَحْقَادِهِ تَغْلِي مَرَاجِلُهُ.
يَذُمُّ فِعْلَ أَخِيهِ مُظْهِراً أَسَفاً لِيُوهِمَ النَّاسَ أَنَّ الْحُزْنَ شَامِلُهُ.
وَذَاكَ مِنْهُ عِدَاءٌ فِي مُجَامَلَةٍ فَاحْذَرْهُ وَاعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَاذِلُهُ.
قال أمير الشعراء “أحمد شوقي”:
مَلَك بأفق الرمل هلّ كريما يدعو الجماد جماله ليهيما.
أبهى من الدنيا وأزين طلعة وألذ من عَرف الحياة شميما.
الريح تحضن بانة من قده والبحر يرحم درّ فيه يتيما.
والشمس تغشى شَعره وكأنما خلعت عليه نضارها الموهوما.
والناس في شغل به وتعجب لا يذكرون من الهموم قديما.
يارملة الثغر استرقى واملكي من بات من فتن الغرام سليما.
تتجمل الدنيا بشمس سمائها وجمال أفقك بالشموس عموما.
بالنعامات اللاهيات بمنتدىً يبدو أشمّ على المياه فخيما.
الحاكيات عليه أندلس الهوى عربا لنا طورا وحينا روما.
الطالعات ولا أقول فراقدا حذر العيون ولا أقول نجوما.
والمائجات من اللطافة لجة والهافيات من الدلال نسيما.
واللافظات عن القيق مرقّقا والباسمات عن الجمان نظيما.
والساحبات من الحرير مطارفا ودَّ الأصيل فشيبهنّ أديما.
من كل مقبلة تخف لها النهى وثبا ويأخذها الفؤاد صميما.
هيفاء تندى بهجة في إثرها هيفاء تقطر نضرة ونعيما.
متجانسات في سياق وفودها يحكين هذا اللؤلؤ المنظوما.
قال المتنبي في مدح سيف الدولة:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ.
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ.
يُكَلّفُ سيفُ الدّوْلَةِ الجيشَ هَمّهُ وَقد عَجِزَتْ عنهُ الجيوشُ الخضارمُ.
وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسِه وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ.
يُفَدّي أتَمُّ الطّيرِ عُمْراً سِلاحَهُ نُسُورُ الفَلا أحداثُها وَالقَشاعِمُ.
وَما ضَرّها خَلْقٌ بغَيرِ مَخالِبٍ وَقَدْ خُلِقَتْ أسيافُهُ وَالقَوائِمُ.
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ.
سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ.
بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَا وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ.
وَكانَ بهَا مثْلُ الجُنُونِ فأصْبَحَتْ وَمِنْ جُثَثِ القَتْلى عَلَيْها تَمائِمُ.
طَريدَةُ دَهْرٍ ساقَها فَرَدَدْتَهَا على الدّينِ بالخَطّيّ وَالدّهْرُ رَاغِمُ.
تُفيتُ اللّيالي كُلَّ شيءٍ أخَذْتَهُ وَهُنّ لِمَا يأخُذْنَ منكَ غَوَارِمُ.
قال خليل مطران:
يَا أَمِيرَ الْقُلُوبِ يَحْفَظُكَ اللهُ ويَرْعَاكَ يَا أَمِيرَ الْقُلُوبِ.
أَنْتَ كُلُّ الأَمِيرِ نُبْلاً وَفَضْلاً وَسُموًّا وَأَنْتَ كُلُّ الْحَبِيبِ.
غَيْرُ مَا يَبْغُضُ العِدَى مَنْكَ والأَ سْيَافُ تُدْمَى وَالنَّقْعُ شَبْهُ خَضِيبِ.
وَبَدِيعٌ فِي السِّلْمِ أَنَّكَ غَازٍ مِثْلَمَا كُنْتَ غَازِياً فِي الحُرُوبِ.
تَسْتَمِيلُ النُّهَى وَتَسْتَلِبُ الْوِدَّ وَيَبْغِي رِضَاكَ كُلُّ سَلِيبِ.
وَجْهُكَ الطَّلْقُ وَهْوَ نُورٌ تَجَلَّى فِي عُذَارٍ حَلاَهُ بِدءُ المَشِيبِ.
أَبَداً فِي الصَّفَاءِ مِرْآةُ صِدْقٍ لِصَفَاءِ فِي النَّفْسِ غَيْرِ مَشْوبِ.
بِكَ أَزْكَى الخِلاَلِ تَيْنَعُ فِيهَا ثَمَرَاتُ الْمَوْهُوبِ وَالْمَكْسُوبِ.
وَبِكَ الْحِلْمُ وَالسَّمَاحَةُ طَبْعٌ لَيْسَ فِي آلِ هَاشِمٍ بِعَجِيبِ.
تغنى بمدح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكثير من الشعراء، منذ عصور صدر الإسلام، وحتى الشعراء المعاصرين، ومن بين تلك القصائد هي كل مما يلي:
تلك القصيدة الخالدة، والتي مدح فيها كعب بن الزهير- رضي الله عنه- رسول الله- ﷺ- وتغنى بها الشعراء والخلفاء متعاقبين على الدولة الإسلامية منذ العصور الأموية وحتى الفاطمية بمصر وصولاً إلى العصر الحديث، والتي كان يذكر في مطلعها ما يلي:
بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ … مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ
وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا … إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
ولا يَزالُ بِواديهِ أخُو ثِقَةٍ … مُطَرَّحَ البَزِّ والدَّرْسانِ مَأْكولُ
إنَّ الرَّسُولَ لَنورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ … مُهَنَّدٌ مِنْ سُيوفِ اللهِ مَسْلُولُ
لا يَقَعُ الطَّعْنُ إلاَّ في نُحورِهِمُ … وما لَهُمْ عَنْ حِياضِ الموتِ تَهْليلُ
بعد اندثار الشعر العربي الأصيل مع أواخر عصر الدولة العثمانية، ظهر الشاعر المجدد للأدب العربي محمود سامي البارودي، والذي اهتم بالقوانين القديمة للشعر العربي، وحاول التجديد عليه، فحاول أن يقابل قصيدة كعب بن الزهير، بقصيدة بها نفس المعنى والأوزان والأغراض الشعرية، لتوضيح مدى تمكنه وقدرته على نظم الشعر، فكان قصيدة نهج البردة واحدة من أجمل القصائد الشعرية في مدح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والتي قال في مقدمتها:
يا رَائِدَ البَرقِ يَمّمِ دارَةَ العَلَمِ … وَاحدُ الغَمامَ إِلى حَيٍّ بِذِي سَلَمِ
وَإِن مَرَرتَ عَلى الرَّوحاءِ فَامرِ لَها … أخلافَ سارِيَةٍ هَتّانَةِ الدِّيَمِ
مِنَ الغِزارِ اللَّواتي في حَوالِبِها … رِيُّ النَّواهِلِ مِن زَرعٍ وَمِن نَعَمِ
إِذا استَهَلَّت بِأَرضٍ نَمْنَمَتْ يَدُهَا … بُرْدًا مِنَ النَّوْرِ يَكسُو عارِيَ الأَكَمِ
تَرى النَّباتَ بِها خُضْرًا سَنابِلُهُ … يَختَالُ في حُلَّةٍ مَوشِيَّةِ العَلَمِ
عرف عن أمير الشعراء أحمد شوقي كونه طالب البارودي، وأحد مؤسسي المدرسة الكلاسيكية في الشعر مدى براعته الأدبية والبلاغية، والتي لقب على إثرها بعد ذلك بأمير الشعراء، وحاول أن يسلك شوقي نهج معلمه، وأن يبرز مدى تمكنه من الشعر، فحاول إعداد نهج للبردة مرة أخرى، وفي تلك المرة فاقت القصيدة كل حدود الجمال اللغوي، فقال في مقدمتها:
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ … أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَداً … يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً … يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي … جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ … إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
مواضيع ننصح بها :